معرفة الولي العارف وحقيقته

من طرف ?????? الثلاثاء مارس 08, 2011 9:12 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
في معرفة الولي العارف وحقيقته.

قــــال(الشيخ محمد بدر) رضي الله عنه:
من حقيقة الوليّ العارف أن يكون موالياً للقيام بأمر الله، فإذا والي القيام بأمر الله تولّى الله أمره، فإذا تولّي الله أمره يصرفه حيث يشاء، وكان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، لا يتحرك ولا يسكن إلا به، فحينئذ يمده الله بأوصافه، قال صاحب الحكم رضي الله عنه:
(تحقق بأوصافك يُمدّك بأوصافه، تحقق بذلّك يُمدّك بعزِّه، تحقّق بعجزك يُمدّك بقدرته، تحقّق بضعفك يُمدّك بحوله وقوّته).
وقال صاحب الحكم أيضاً:
(كن بأوصاف ربوبيته متعلقاً، وبأوصاف عبوديتك متحققاً).
قـال رضي الله عنه: لا يدخل العبد باب الخصوصية إلا بكمال العبودية، ولا يكون العبد من ربه داني، حتى يكون من نفسه فاني، ولا يكون من نفسه فاني، حتى يخرق فيها العادة، فإنه لا تُخرق العادة إلا لمن خرق من نفسه العادة. قال صاحب الحكم رضي الله عنه:
(كيف تُخرق لك العوائد؟ وأنت لم تخرق من نفسك العوئد؟). ولا يخرق العبد من نفسه العادة حتى يتخلق بأخلاق مولاه، فإذا تخلق بأخلاق مولاه يكون الأنام كله جزءاً منه، يتألم إذا تألم ، ويتنعم إذا تنعم، ويقابل السيئة بالحسنة، وليس ذاك إلا لمولاكفإذا تكملت في العبد هذه الأوصاف فحينئذ يُجيبه الله من غير دعاء، ولا يُحوجه إلى سؤال،

قال سيـدي ابنُ بنتِ المَيْلَق رضي الله عنه شعراً:
به تصـرّفهم فـي الكائنات فما شاء شاؤواْ وما شاؤوه يقضيه

وقال في معنى آخر:
يبدُو له السّر من آفاق وِجهته وما يشاءُ من الأوطارِ يأتيـهِ

فقلت له يا سيدي الذي شاؤواْ يُقضي لهم في الحال أو الاستقبال؟
فقال رضي الله عنه:
إذا أحبّهم واصطفاهم يُجيب نداهم من قبل أن تطلع ياهم، وكل من كان ضائقاً يأتوه سِراعاً لَحاقاً.
وقـــال رضي الله عنه:
ليس العارف من إذا أشار وجد الحق أقرب من إشارته، بل العارف من لا إشارة له، لفنائه في الوجود، وانطوائه في الشهود. لأن نظر العارف لربه لا لعلمه، فمن شهد الكون ولم يشهده فيه فقد أعوزه وجود الأنوار، ولو كان العرش كله في زاوية من زوايا قلب العارف لا يحسُّ به، لأنه لا يحجبه حال عن حال، ولا صحوٌ عن سكر، ولا فرقٌ عن جمعٍ، فكم من صاحٍ سكرانَ وسكرانَ صاحٍ، وفارقٍ جامعٍ وجامعٍ فارقٍ، لا يحجبه فرقهُ عن جمعه، ولا سُكره عن صحوه، ولا صحوُه عن سكره، فالفرقُ على لسان العارف موجود، والجمعُ في القلب مشهود، فالأقوياء الأبطال لا يتركون الأعمال عند تراكم الأشغال، فظاهرُهم مع الأسباب، وباطنُهم مع مسبّب الأسباب، فعلي العاقل أن يترفّق بالأبطال، ولا يترفّق بالبطّال.
وقــال رضي الله عنه:
يَصِلون إلى مقام يسقط عنهم التكليف العادي، حتى يكون عندهم الجوع طعام، والسّهر منام، والفقر حُطام، والذلّ إكرام، والصّمت كلام، وحتى تكون قلوبهم كالصّخرة، وأجسادهم كالخفّاش.
وقــال رضي الله عنه:
كان بعضُ المشايخ رأي شخصاً يتأثر في الذكر، فقال هكذا كنا والآن قسيت قلوبنا، عبّر بقساوة القلب تستراً للحال. وقــال رضي الله عنه:
العارف لا يزول اضطراره، ولا يقرّ دون الله قراره. فكلما رُوِىَ ازداد ظمأً.

قال سيدي أبو يزيد رضي الله عنه شعراً:
شربتُ الحبّ كأساً بعد كأسٍ فما نفد الشراب وما رويتُ

وقـال ابنُ بنتِ المَيْلَق:
تراه يعبدُ لا يلوِي على شُــغُـلٍ سوى العبادةِ يستحلِي تفانيه

وقال رضي الله عنه فيهم شعراً:
تــآنــســـوا بمليـكهــــــــم عُبّـــــــــاد ** مســــلِّميــن تــاركيـــن عِــنَـــــــاد
حتى صارت لهم الآخرة تنقـــاد ** وظهر لهم في العالمين رشــاد
وبهم سكنت الأرض ** وصاروا لها أوتادْ

وقد أنشد بعضُهم:
الأُنسُ بالله لا يحويـه بطّــالُ ** ولا يحـــوزُه في الحــال محتــالُ

وقــال رضي الله عنه:
طالبان لا يشبعان: طالب العلم وطالب الدنيا، فكيف يشبع طالب الحق؟ مع أن طالب الدنيا أنثى، وطالب الآخرة خنثى، وطالب الحق هو الذكر، ومقصد القوم ذات الله ، لا يعرّجون على اسم ولا صفة، فشتّان بين من همته الحور والقصور، وبين من همته رفع الســتور.
وقــال رضــي الله عنه:
من شـــــروط العــارف أن يتحمـّل الأذى ولا يطلب الجزاء، ألا من لم يتحمل الأذية، ولم يرض بالهُزية، فلا تطلع له في واسع الأرض جزية،
فهذه أوصاف الولي العارف وحقيقته، فإذا وُجدت في العبد هذه الخصال ، واتصف بهذه الصفات ، فقد تمت ولايته. والله أعلم بالصواب .

يتبع: https://omdoban.yoo7.com/t125-topic