في الإخلاص وحقيقته وما تعلق به من الثمرات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السادس
في الإخلاص وحقيقته وما تعلق به من الثمرات

قال الله تبارك وتعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
وقال حكاية عن إبليس اللعين:
﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان ﴾ . إلى غير ذلك من الآيات التي تنوّه بفضل المخلصين،

وقد ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أخلص لله تعالى أربعين صباحاً تفجرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه).

وقال(الشيخ محمد بدر) رضي الله عنه:
من أطاع الله في بيت، والبيت في بيت، أربعين صباحاً، وكل بيت فيه باب مغلق، فالبارّ والفاجر يفهمون أنه أطاع الله، ومن عصى الله في بيت، والبيت في بيت، أربعين صباحاً، وكلّ بيت فيه باب مغلق، فالبارّ والفاجر يفهمون أنه عصى الله،

فقالوا له يا سيدي كيف يعرف هذا؟
فقال:
(ما استُودع في غيب السرائر، يظهر في شهادة الظواهر)، وما في الكبود على الجباه يلوح.

وفي الخبر: (كلُّ ما يُحَدِّثُه العبد من خير أو شر تأخذه الملائكة المغفّرون على الفم، ويغمسونه في الماء، فإذا شرب الناس من ذلك الماء يصير قلب كل أحد منهم يوسوسُ بما فيه، سواء كان طائعاً أو عاصياً).

وقال- رضي الله عنه:
مدار الأساس، الصدق والإخلاص،

أما حقيقة الإخلاص فهو تصحيح الوجهة إلى الله تعالى في الحركات والسكنات، وقد حدّه بعضهم فقال:
الإخلاص إفراد النية إلى الله، وتصفيتها من جميع الأشياء الحاجبة له عن رؤيته.

وقال رضي الله عنه:
لا علم إلا بعمل، ولا عمل إلا بإخلاص.

وقال صاحب الحكم: (الأعمالُ صورٌ قائمةٌ، وأرواحُها وجودُ سرِّ الإخلاص فيها).

وقال رضي الله عنه:
العمل بلا إخلاص كالجثّة بلا روح، والعلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر، والفقير بلا صبر كالبئر بلا ماء، والغني بلا سخاء كالسّحاب بلا مطر، والشّيب بلا نصيحة كالبيت بلا سقف، والأنثى بلا خَصْلة كالطعام بلا ملح، والمؤثّر في ذلك كلّه الله.

وقال رضي الله عنه:
إذا أردت الشفاء من كل مرض، فلا تعمل عملاً لغرض، فحرام على قلب وحّد الله تعالى أن يتخذ أحداً رِفْداً، والتوحيد الحقيقيّ لا يؤخذ من شيخ ولا من كتاب، بل هو نور يضعه الله تعالى في قلب عبده الذي يحبه ويرضاه، فكل قلب رآه الحق سبحانه وتعالى مُؤْثِراً له حفظه من طوارق المحن ومضلّات الفتن،

قال بعضُهم:
إذا ما رأيتَ الله في الكلّ فاعلاً ** رأيـتَ جميـعَ الكائنـات مِلاحَا

وقال بعضُهم:
في إخلاص ساعة نجاة الأبد، وحيث علمت هذا أيّها المريد فعليك بالإخلاص في أعمالك، فإنّ القليل به كثير، والكثير مع عدمه قليل كما جاء في حديث السّجلّات:
(إنه يأتي العبدُ يوم القيامة وله سِجلّات مدّ البصر كلها سيئات، ولم توجد له حسنة في صحيفته، فيُساق به إلى النار، فينادِي مناد من قِبَل الله تعالى: ألا إنّ له عندنا وديعة، فيُؤتَي بصحيفة قدر أنملة فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوضع في كفّة ، وتوضع السجلّات في كفة، فترجّح الأنملة بالسّجلات، فيُؤمر به إلى الجنّة).

فانظر إلى الأنملة مع السجلّات تجدها كالعدم، وما رجّحت بهم إلا أنها قُبلت على وجه الإخلاص،

كتبنا الله وإيّاك في المخلصين، وحشرنا في زمرة الصديقين، والشهداء والصالحين. والحمد لله رب العالمين.

يتبع: https://omdoban.yoo7.com/t137-topic