بحـث
المواضيع الأخيرة
رأي الأئمة الأربعة في التصوف
منتدى الطريقة البدرية القادرية بأمضبان :: منتدى الثقافة الاسلامية :: التصوف الاسلامي وعلم الأخلاق والرقائق
صفحة 1 من اصل 1
رأي الأئمة الأربعة في التصوف
بسم الله الرحمن الرحيم
موقـف ورأي الأئمـة الأربـعة رضي الله تعالى عنهم في التصوف
من طرف hamza في الإثنين 13 أبريل 2009 - 14:11
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
وخلافاً لما يكتب ويقال عن موقف الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم من التصوف والصوفية ، أثبت العارف بالله تعالى الشيخ أحمد العلوي المستغانمي في كتاب ( رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف) محبتهم لهم واعتقادهم فيهم ، فقال : ( أما جمهور الأئمة وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف هو زبدة الدين والغاية القصوى من سنن الموحدين ، وكفاه فضلاً أنه عبارة عن السير في ( مقام الإحسان) الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في حديث جبريل عليه السلام ) .
وقال ( وماذا عسى تقوله الأئمة ومن لهم اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا جهده في طاعة الله ، وأسسوا قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين الخصوص والعموم بأنهم أهل الله وخاصته من خلقه ، دانو إلى الله بخالص التوجه فدانت لهم العباد وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد ) أ.هـ
وهأنذا أذكر لكم ما صح نقله عن المجتهدين وأئمة الدين وغيرهم من الكتاب المطلعين من جهة ما يرجع للتصوف واحترام أهله من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وبذلك تدركون كون مذهب الصوفية مجمعاً على إعظامه واحترامه بين سائر طبقات الأمة إلا من[30]شذ والنادر لا حكم له .
ونبدأ بمرجع عظيم للكل ـ في التصوف ـ ونعني به الإمام الحسن البصري ـ ثم نستفيض منه إلي الأئمة الأربعة وأتباعهم وكرام أهل البيت وأصفياء الله لنبين آرائهم ومواقفهم من الصوفية والتصوف ـ رضوان الله عليهم أجمعين .
رأي الإمام حسن البصري
من ذلك ما جاء عن الحسن البصري رضي الله عنه الذي اتفق أكثر المحققين من مؤرخي الإسلام علي أنه أول من فتح الكلام في مذهب التصوف ، وأول متصدر لنشر تعليمه بالخصوص ، وهذا مما علم بالتواتر بين علماء السنة . قال العالمة ابن الحاج في جزئه الثاني من مدخله ما نصه :
إن الحسن البصري [31] رضي الله عنه هو أول من فتح الكلام في طرق القوم ، وهو رضيع إحدى زوجات النبي r وآله . وهي أم سلمة رضي الله عنها , وقد قيل : إن المذهب كانت تعرف رجله باسم المتصوفة من عهده ، وكان الحسن يجل ويحترم المنتمين لذلك الجناب ، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو نصر عبد الله ابن علي الطوسي المتوفى سنة 378 هـ في كتاب ( اللمع ) قال حاكياً عن الحسن البصري رضي الله عنه إني رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه ، وقال معي أربعة داونق فيكفيني ما معي ، وكان الحسن يذكر ذلك علي سبيل الإعجاب بحال ذلك الصوفي . وأظنك أيها الأخ لا تجهل مكانة الحسن البصري في الإسلام ومنزلته بين التابعين ، وهذا النقل كما أنه جاء عن الطوسي جاء عن التجيبي أيضا نقله عن ( سيدي ابن عجيبة ) في شرحه ( المباحث الأصلية ) ، مما يشهد أيضا لعظمة المتصوفة والتصوف في نظر السلف ما يروي عن ( سيفان الثوري ) وهو من عظماء أئمة القرن الثاني ومجتهديهم قولة لولا ( أبو هشام ) الصوفي ما عرفنا دقيق الرياء . ومن ذلك ما ذكره عنه ( أبن القيم الجوزيه ) في شرحه علي منازل السائرين أنه كان يقول : أعز الخلق خمسة انفس " عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني " .
رأي الإمــام مــالك
فتأمل يرحمك الله قوله لولا ( أبو هشام الصوفي ) ما عرفت الرياء وهذا صريح في أخذه عن المتصوفة واحترامه لجنابهم ثم تأمل قول ( الإمام مالك ) في غير ما كتاب : " من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق " , ومن جمع بينهما فقد تحقق ، نقله عنه ( التتائي في شرحه علي مقدمه ابن رشد ) , وكذلك ( الشيخ زروق ) ففي القاعدة الرابعة من قواعده قال : ونحن حيث تلقينا هاته القولة عن الإمام مالك من أوثق المصادر , اتضح عندنا يقيناً انه رحمه الله كان صوفياً ، لا محباً للصوفية فقد وإلا لزمه تسلط الحكم عليه , المستفاد من صريح قوله ( ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ) برأه الله من ذلك . وهذه الصراحة من الإمام كافيه في إعظامه لمذهب التصوف بدون الفقه باطل , وخلاصه القول : أن الإمام مالكاً رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه . وهذا لا يستبعد من مقام الإمام ما دام التصوف عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز وجل . نعم قد يقول القائل فلماذا لم يظهر عن الإمام نظير ما ظهر علي غيره من المنتمين للتصوف ( كالحارث المحاسبي ) في ذلك العصر وطبقته ؟ والجواب أن عذر الإمام ( أي الإمام مالك رضي الله عنه) في ذلك : هو تفرغه وقيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد الفقهية وضبط النقول الشرعية خصوصا وهو يري من نفسه الكفاءة لأمر الذي لم يتوافر لغيره غالباُ , وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته بما اختص به غيره من خاصة المتصوفة بان تكون له المشاركة في علمهم ودقائق أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها , وقد أثبت ذلك لنفسه حسبما نقله عنه ( أبو إسحاق الشاطبى ) في الجزء الرابع صحيفة 361 من كتاب ( الموافقات ) قال : " واخبر المالك عنه نفسه انه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم فيها ولا حدث بها " وقد ذكر الشيخ سحنون في تعليقه على الموطأ نقلاً عن القاضي عياض .
قال :" وبلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ : ثلاثمائة من التابعين , وستمائة من تابعهم ممن اختارهم لدينه وفقه وتيقظه , ولزم ( ابن هرمز ) كما في المدرج ثلاثة عشر سنة , ويروي ست عشرة سنة من الصباح إلي الزوال في علم قال مالك لم أبثه لأحد من الناس " . انتهي بلفظة .
وعليه فهل تري أيها الأخ إن هذا العلم المخبر عنه هو من مدخول الفقه , فما أظن إذ لو كان كذلك لما ساخ له كتمانه حيث إن الفقه في الدين يشترك في لزوم معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في طيه وكتمانه من التعرض لنقمة الله لحديث ( من كتم علماً علمه الله إياه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة ) ، ولكنك تستبعد أن يكون للإمام مالك من العلوم الموروثة عن النبي r وآله ، غير ما دونه للعموم ، وهذا الأستبعاد إنما يتصور مع عدم الإطلاع على ما أشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص المثبتة لنظير ذلك وإليكم ما أخرجه البخاري رضي الله عنه :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( حفظت عن رسول الله r وآله وعاءين من العلم أما أحدهما فقد بثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته فيكم لقطعتم مني هذا البلعوم ) . ولا شك أن هذا صريح في تأييد ما أخرجه الشاطبي وغيره عن الإمام مالك ، وليس هذا الخبر مما ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، ولا مما ينفرد بنقله البخاري أيضاً فإن المطلع لا تستعصي عليه النقول الصحيحة التي يستشهد بها في هذا الباب من أقوال السلف ، وهذا ملخص للإمام من جهة علاقته بالتصوف .
كما يشهد لذلك ما أخرجه الشعراني في ( اليواقيت والجواهر ) ، وغيره من الحفاظ عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) : لو قلت لكم ما أعلم من تفصيل قوله تعالى :
“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن”َّ لرجمتموني ، أو لقلتم إني كافر[32]
ويترجم عن ذلك أيضاً ما يروى عن ( الإمام علي زين العابدين بن الحسين ) رضي الله عنهما حيث يقول :
يارب جوهر علم لو أبوح به لقيـل لي أنت ممن يعبد الوثنـا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبـح ما يأتونـه حسنـا
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى ذاك ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
وقد ذكره الإمام الغزالي في ( منهاج العابدين ) قلت : " وكل ما ورد في هذا الباب هو مصداق ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن رسول الله r وآله أنه قال " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلى العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره أهل الغرة بالله " .
موقف الإمام أبي حنيفة
أما ما ينقل عن ( الإمام أبي حنيفة النعمان ) رضي الله عنه في التصوف فليس هو بأقل من ذلك . ذكر ( صاحب النصرة النبوية ) وهكذا صاحب كتاب ( أهل الفتوحات والأذواق ) أن الإمام رحمه الله ـ كان محباً للصوفية محترماً لمكانتهم ولربما يوجد له من التساهل معهم ما لم يوجد لغيره من الأئمة . وكما ذكر : أنه سئل عما يفعله الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به . أهم صادقون في ذلك ؟
فأجاب " إن لله رجالاً يدخلون الجنة بدفوفهم ومزاميرهم " ، وما قال هذا رضي الله عنه إلا سداً لذريعة الاعتراض على المنتسبين إلى الله والله أعلم .
لولا تفهم أيها الأخ أن غايتنا في إثبات هذا النقل الانتصار لشبه الدفوف والمزامير وما يفعله بعض الملتصقين بالقوم إنما الغرض هو أن نذكر لك كيف كان تساهل الإمام مع المنتسبين للتصوف ولو مع ارتكابهم لبعض المشتبهات ، وهذا ما يخص أبا حنيفة رضي الله عنه باختصار .
موقف الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل
واما ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فيزيد على ذلك بكثيرحسبما نقل عنه في غير ما كتب وممن تتبع ذلك الإمام الشعراني في غالب كتبه فقال نقلاً عن الإمام : استفدت من مجالستهم أمرين لم أستفدهما من مشايخ العلم : قولهم : الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ، وقولهم أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها بالخير شغلتك بضده . ذكره النووي في ( شرح المهذب ) وقال الشعراني : كثياً ما كان الشافعي يوصي ( الإمام أحمد ) باحترامهم ومجالستهم أيضاً ويشهد لذلك ما جاء في كتاب ( جامع مجالس الصوفية ) " وكانا يحضران معهم في مجالس ذكرهم فقيل لهما ما لكما تترددان إل مثل هؤلاء ؟ فقالا لهم : إن هؤلاء عندهم رأس الأمر كله ، وهو تقوى الله ومحبته " . وكان الشعراني يقول : كفى مدحاً إذعان الإمام الشافعي ( لشيبان الراعي ) وكان لذلك قصة معروفة ، وكذلك ذكر الشعراني إذعان الإمام أحمد له بعد ما ذكر عدة حكايات جرت بينهما في مسائل علمية فلتراجعوا تلك المظان إن كانت لكم سعة من الوقت وطلبتم سعة من العلم والوضوح .
وبالجملة إن إذعان أئمة الاجتهاد لرجال التصوفكان مشتهراً في ذلك العصر وعلى الأخص منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
وقد ذكر الشيخ المختار الكنتي في كتابه ( جزوة الأنوار ) أن الإمام الشافعي كان كثير الإلتجاء للاولياء ، متفانياً في حبهم ، وكان يقول هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي إلى أن رماه بعض المعتزلة بالرفض فقال مجيباً لهم :-
قالوا ترفضت غير شـك ما لرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غيـر شـك خيـر إمـام وخيـر هـاد
إن كان حب الولي رفضاً فإننـي أرفـض العبـادي
وقال في حب أهل البيت نظير ذلك معلناً إجلاله لهم :-
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ومن المعلومأن أئمة الصوفية معظهم من أهل البيت كالرفاعي والجيلاني والدسوقي والشاذلي وآل باعلوي في اليمن وسواهم وان آل البيت هم أئمة الأئمة ، وهداة الحق فيها إلى الله : من الصوفية الكرام وغيرهم لقول رسول الله r وآله " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي " وفي رواية : ( تركت فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ، أما الثقل الأكبر : فهو كتاب الله تعالى : حبل ممدود بين السماء والأرض :طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيديكم ، وأما الثقل الثاني فعترتي أهل بيتي . فقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة )[33]
وحيث صار من المعلوم أن كبار أهل التصوف قديماً وحاضراً إنما هم الأئمة من أهل البيت ، بدءاً من إمام الأئمة الإمام جعفر الصادق ، ومن بعده الإمام الجنيد ( وكان يسمى بسيد الطائفة ) ، ثم الإمام الرفاعي فعبد القادر الجيلاني ، وكان الشيخ أبن تيمية يجله بقوله ( قدس الله تعالى سره ) إذا ذكره ويقدره ، ويستشهد بحاله من مكانةعلماء الإسلام الأجلاء ، كما يستشهد بأقواله في أستقامة أهل التصوف السني . كما يجل الإمام الجنيد سيد الطائفتين ( الفقهاء والصوفية ) ومعروف الكرخي ، والحارث المحاسبي ، والسري السقطي وغيرهم ( راجع المجلد العاشر والحادي عشر من فتاوي الشيخ ابن تيمية ) . ففيهما تفصيل واسع ، وتفضيل جليل للتصوف والصوفية ، لذلك يعتبره بعض العلماء هو والشيخ أبن القيم الجوزية من الصوفية لسيرتهما وإنصافهما منهج التصوف الحق وأهله .
نقلا عن موقع : مواهب المنان
موقـف ورأي الأئمـة الأربـعة رضي الله تعالى عنهم في التصوف
من طرف hamza في الإثنين 13 أبريل 2009 - 14:11
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
وخلافاً لما يكتب ويقال عن موقف الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم من التصوف والصوفية ، أثبت العارف بالله تعالى الشيخ أحمد العلوي المستغانمي في كتاب ( رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف) محبتهم لهم واعتقادهم فيهم ، فقال : ( أما جمهور الأئمة وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف هو زبدة الدين والغاية القصوى من سنن الموحدين ، وكفاه فضلاً أنه عبارة عن السير في ( مقام الإحسان) الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في حديث جبريل عليه السلام ) .
وقال ( وماذا عسى تقوله الأئمة ومن لهم اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا جهده في طاعة الله ، وأسسوا قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين الخصوص والعموم بأنهم أهل الله وخاصته من خلقه ، دانو إلى الله بخالص التوجه فدانت لهم العباد وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد ) أ.هـ
وهأنذا أذكر لكم ما صح نقله عن المجتهدين وأئمة الدين وغيرهم من الكتاب المطلعين من جهة ما يرجع للتصوف واحترام أهله من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وبذلك تدركون كون مذهب الصوفية مجمعاً على إعظامه واحترامه بين سائر طبقات الأمة إلا من[30]شذ والنادر لا حكم له .
ونبدأ بمرجع عظيم للكل ـ في التصوف ـ ونعني به الإمام الحسن البصري ـ ثم نستفيض منه إلي الأئمة الأربعة وأتباعهم وكرام أهل البيت وأصفياء الله لنبين آرائهم ومواقفهم من الصوفية والتصوف ـ رضوان الله عليهم أجمعين .
رأي الإمام حسن البصري
من ذلك ما جاء عن الحسن البصري رضي الله عنه الذي اتفق أكثر المحققين من مؤرخي الإسلام علي أنه أول من فتح الكلام في مذهب التصوف ، وأول متصدر لنشر تعليمه بالخصوص ، وهذا مما علم بالتواتر بين علماء السنة . قال العالمة ابن الحاج في جزئه الثاني من مدخله ما نصه :
إن الحسن البصري [31] رضي الله عنه هو أول من فتح الكلام في طرق القوم ، وهو رضيع إحدى زوجات النبي r وآله . وهي أم سلمة رضي الله عنها , وقد قيل : إن المذهب كانت تعرف رجله باسم المتصوفة من عهده ، وكان الحسن يجل ويحترم المنتمين لذلك الجناب ، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو نصر عبد الله ابن علي الطوسي المتوفى سنة 378 هـ في كتاب ( اللمع ) قال حاكياً عن الحسن البصري رضي الله عنه إني رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه ، وقال معي أربعة داونق فيكفيني ما معي ، وكان الحسن يذكر ذلك علي سبيل الإعجاب بحال ذلك الصوفي . وأظنك أيها الأخ لا تجهل مكانة الحسن البصري في الإسلام ومنزلته بين التابعين ، وهذا النقل كما أنه جاء عن الطوسي جاء عن التجيبي أيضا نقله عن ( سيدي ابن عجيبة ) في شرحه ( المباحث الأصلية ) ، مما يشهد أيضا لعظمة المتصوفة والتصوف في نظر السلف ما يروي عن ( سيفان الثوري ) وهو من عظماء أئمة القرن الثاني ومجتهديهم قولة لولا ( أبو هشام ) الصوفي ما عرفنا دقيق الرياء . ومن ذلك ما ذكره عنه ( أبن القيم الجوزيه ) في شرحه علي منازل السائرين أنه كان يقول : أعز الخلق خمسة انفس " عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني " .
رأي الإمــام مــالك
فتأمل يرحمك الله قوله لولا ( أبو هشام الصوفي ) ما عرفت الرياء وهذا صريح في أخذه عن المتصوفة واحترامه لجنابهم ثم تأمل قول ( الإمام مالك ) في غير ما كتاب : " من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق " , ومن جمع بينهما فقد تحقق ، نقله عنه ( التتائي في شرحه علي مقدمه ابن رشد ) , وكذلك ( الشيخ زروق ) ففي القاعدة الرابعة من قواعده قال : ونحن حيث تلقينا هاته القولة عن الإمام مالك من أوثق المصادر , اتضح عندنا يقيناً انه رحمه الله كان صوفياً ، لا محباً للصوفية فقد وإلا لزمه تسلط الحكم عليه , المستفاد من صريح قوله ( ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ) برأه الله من ذلك . وهذه الصراحة من الإمام كافيه في إعظامه لمذهب التصوف بدون الفقه باطل , وخلاصه القول : أن الإمام مالكاً رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه . وهذا لا يستبعد من مقام الإمام ما دام التصوف عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز وجل . نعم قد يقول القائل فلماذا لم يظهر عن الإمام نظير ما ظهر علي غيره من المنتمين للتصوف ( كالحارث المحاسبي ) في ذلك العصر وطبقته ؟ والجواب أن عذر الإمام ( أي الإمام مالك رضي الله عنه) في ذلك : هو تفرغه وقيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد الفقهية وضبط النقول الشرعية خصوصا وهو يري من نفسه الكفاءة لأمر الذي لم يتوافر لغيره غالباُ , وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته بما اختص به غيره من خاصة المتصوفة بان تكون له المشاركة في علمهم ودقائق أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها , وقد أثبت ذلك لنفسه حسبما نقله عنه ( أبو إسحاق الشاطبى ) في الجزء الرابع صحيفة 361 من كتاب ( الموافقات ) قال : " واخبر المالك عنه نفسه انه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم فيها ولا حدث بها " وقد ذكر الشيخ سحنون في تعليقه على الموطأ نقلاً عن القاضي عياض .
قال :" وبلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ : ثلاثمائة من التابعين , وستمائة من تابعهم ممن اختارهم لدينه وفقه وتيقظه , ولزم ( ابن هرمز ) كما في المدرج ثلاثة عشر سنة , ويروي ست عشرة سنة من الصباح إلي الزوال في علم قال مالك لم أبثه لأحد من الناس " . انتهي بلفظة .
وعليه فهل تري أيها الأخ إن هذا العلم المخبر عنه هو من مدخول الفقه , فما أظن إذ لو كان كذلك لما ساخ له كتمانه حيث إن الفقه في الدين يشترك في لزوم معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في طيه وكتمانه من التعرض لنقمة الله لحديث ( من كتم علماً علمه الله إياه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة ) ، ولكنك تستبعد أن يكون للإمام مالك من العلوم الموروثة عن النبي r وآله ، غير ما دونه للعموم ، وهذا الأستبعاد إنما يتصور مع عدم الإطلاع على ما أشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص المثبتة لنظير ذلك وإليكم ما أخرجه البخاري رضي الله عنه :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( حفظت عن رسول الله r وآله وعاءين من العلم أما أحدهما فقد بثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته فيكم لقطعتم مني هذا البلعوم ) . ولا شك أن هذا صريح في تأييد ما أخرجه الشاطبي وغيره عن الإمام مالك ، وليس هذا الخبر مما ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، ولا مما ينفرد بنقله البخاري أيضاً فإن المطلع لا تستعصي عليه النقول الصحيحة التي يستشهد بها في هذا الباب من أقوال السلف ، وهذا ملخص للإمام من جهة علاقته بالتصوف .
كما يشهد لذلك ما أخرجه الشعراني في ( اليواقيت والجواهر ) ، وغيره من الحفاظ عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) : لو قلت لكم ما أعلم من تفصيل قوله تعالى :
“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن”َّ لرجمتموني ، أو لقلتم إني كافر[32]
ويترجم عن ذلك أيضاً ما يروى عن ( الإمام علي زين العابدين بن الحسين ) رضي الله عنهما حيث يقول :
يارب جوهر علم لو أبوح به لقيـل لي أنت ممن يعبد الوثنـا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبـح ما يأتونـه حسنـا
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى ذاك ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
وقد ذكره الإمام الغزالي في ( منهاج العابدين ) قلت : " وكل ما ورد في هذا الباب هو مصداق ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن رسول الله r وآله أنه قال " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلى العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره أهل الغرة بالله " .
موقف الإمام أبي حنيفة
أما ما ينقل عن ( الإمام أبي حنيفة النعمان ) رضي الله عنه في التصوف فليس هو بأقل من ذلك . ذكر ( صاحب النصرة النبوية ) وهكذا صاحب كتاب ( أهل الفتوحات والأذواق ) أن الإمام رحمه الله ـ كان محباً للصوفية محترماً لمكانتهم ولربما يوجد له من التساهل معهم ما لم يوجد لغيره من الأئمة . وكما ذكر : أنه سئل عما يفعله الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به . أهم صادقون في ذلك ؟
فأجاب " إن لله رجالاً يدخلون الجنة بدفوفهم ومزاميرهم " ، وما قال هذا رضي الله عنه إلا سداً لذريعة الاعتراض على المنتسبين إلى الله والله أعلم .
لولا تفهم أيها الأخ أن غايتنا في إثبات هذا النقل الانتصار لشبه الدفوف والمزامير وما يفعله بعض الملتصقين بالقوم إنما الغرض هو أن نذكر لك كيف كان تساهل الإمام مع المنتسبين للتصوف ولو مع ارتكابهم لبعض المشتبهات ، وهذا ما يخص أبا حنيفة رضي الله عنه باختصار .
موقف الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل
واما ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فيزيد على ذلك بكثيرحسبما نقل عنه في غير ما كتب وممن تتبع ذلك الإمام الشعراني في غالب كتبه فقال نقلاً عن الإمام : استفدت من مجالستهم أمرين لم أستفدهما من مشايخ العلم : قولهم : الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ، وقولهم أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها بالخير شغلتك بضده . ذكره النووي في ( شرح المهذب ) وقال الشعراني : كثياً ما كان الشافعي يوصي ( الإمام أحمد ) باحترامهم ومجالستهم أيضاً ويشهد لذلك ما جاء في كتاب ( جامع مجالس الصوفية ) " وكانا يحضران معهم في مجالس ذكرهم فقيل لهما ما لكما تترددان إل مثل هؤلاء ؟ فقالا لهم : إن هؤلاء عندهم رأس الأمر كله ، وهو تقوى الله ومحبته " . وكان الشعراني يقول : كفى مدحاً إذعان الإمام الشافعي ( لشيبان الراعي ) وكان لذلك قصة معروفة ، وكذلك ذكر الشعراني إذعان الإمام أحمد له بعد ما ذكر عدة حكايات جرت بينهما في مسائل علمية فلتراجعوا تلك المظان إن كانت لكم سعة من الوقت وطلبتم سعة من العلم والوضوح .
وبالجملة إن إذعان أئمة الاجتهاد لرجال التصوفكان مشتهراً في ذلك العصر وعلى الأخص منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
وقد ذكر الشيخ المختار الكنتي في كتابه ( جزوة الأنوار ) أن الإمام الشافعي كان كثير الإلتجاء للاولياء ، متفانياً في حبهم ، وكان يقول هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي إلى أن رماه بعض المعتزلة بالرفض فقال مجيباً لهم :-
قالوا ترفضت غير شـك ما لرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غيـر شـك خيـر إمـام وخيـر هـاد
إن كان حب الولي رفضاً فإننـي أرفـض العبـادي
وقال في حب أهل البيت نظير ذلك معلناً إجلاله لهم :-
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ومن المعلومأن أئمة الصوفية معظهم من أهل البيت كالرفاعي والجيلاني والدسوقي والشاذلي وآل باعلوي في اليمن وسواهم وان آل البيت هم أئمة الأئمة ، وهداة الحق فيها إلى الله : من الصوفية الكرام وغيرهم لقول رسول الله r وآله " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي " وفي رواية : ( تركت فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ، أما الثقل الأكبر : فهو كتاب الله تعالى : حبل ممدود بين السماء والأرض :طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيديكم ، وأما الثقل الثاني فعترتي أهل بيتي . فقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة )[33]
وحيث صار من المعلوم أن كبار أهل التصوف قديماً وحاضراً إنما هم الأئمة من أهل البيت ، بدءاً من إمام الأئمة الإمام جعفر الصادق ، ومن بعده الإمام الجنيد ( وكان يسمى بسيد الطائفة ) ، ثم الإمام الرفاعي فعبد القادر الجيلاني ، وكان الشيخ أبن تيمية يجله بقوله ( قدس الله تعالى سره ) إذا ذكره ويقدره ، ويستشهد بحاله من مكانةعلماء الإسلام الأجلاء ، كما يستشهد بأقواله في أستقامة أهل التصوف السني . كما يجل الإمام الجنيد سيد الطائفتين ( الفقهاء والصوفية ) ومعروف الكرخي ، والحارث المحاسبي ، والسري السقطي وغيرهم ( راجع المجلد العاشر والحادي عشر من فتاوي الشيخ ابن تيمية ) . ففيهما تفصيل واسع ، وتفضيل جليل للتصوف والصوفية ، لذلك يعتبره بعض العلماء هو والشيخ أبن القيم الجوزية من الصوفية لسيرتهما وإنصافهما منهج التصوف الحق وأهله .
نقلا عن موقع : مواهب المنان
hsbelrasool.bdr- عضو شرف المنتدى
- عدد المساهمات : 152
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
مواضيع مماثلة
» كلمة عامة في التصوف
» التصوف - ملمح تأريخي -
» فيلم وثائقي عن التصوف في السودان
» مؤتمر التصوف الاسلامي بالقاهرة
» الشيخ عبد الجبار المبارك في حديث عن التصوف
» التصوف - ملمح تأريخي -
» فيلم وثائقي عن التصوف في السودان
» مؤتمر التصوف الاسلامي بالقاهرة
» الشيخ عبد الجبار المبارك في حديث عن التصوف
منتدى الطريقة البدرية القادرية بأمضبان :: منتدى الثقافة الاسلامية :: التصوف الاسلامي وعلم الأخلاق والرقائق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 1:00 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» أبكار أبونا الشيخ ابراهيم الكباشي
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:41 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ محمد ود البخاري ساكن المدينة المنورة
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:23 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» سيرة سيدنا ومولانا الأستاذ الشيخ إدريس أب فركة
السبت مايو 07, 2016 10:54 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ الحسين ولد صباحي المحسي ؛ راجل (شبونة الشيخ الحسين)
السبت مايو 07, 2016 10:50 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ الطيب الحاج الصديق ود بدر (ود السائح)
الإثنين أكتوبر 26, 2015 12:00 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» الجيلي يا الجيلي الآن بدرنا الساكن أم ضبان
الإثنين أكتوبر 26, 2015 11:54 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» لله أقـــــوام نعيمهم القرب
الإثنين أكتوبر 26, 2015 10:14 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» دلائل الخيرات في الصلوات على سيد السادات
الإثنين أكتوبر 26, 2015 9:24 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ