بحـث
المواضيع الأخيرة
الطرق الصوفية-النموذج التقليدي للقيادة الاجتماعية والسياسية في التجربة السودانية
منتدى الطريقة البدرية القادرية بأمضبان :: منتدى الثقافة الاسلامية :: التصوف الاسلامي وعلم الأخلاق والرقائق
صفحة 1 من اصل 1
الطرق الصوفية-النموذج التقليدي للقيادة الاجتماعية والسياسية في التجربة السودانية
دراسة حالة : الطرق الصوفية ... النموذج التقليدي للقيادة الاجتماعية والسياسية في التجربة السودانية
الكاتب : د. طارق أحمد عثمان/جامعة افريقيا/مركز البحوث والدراسات الافريقية
مدخل:
تمثل مؤسسة التصوف في السودان قدرا كبير الأهمية من حيث الوجود والانتشار ، وتعدد المنتسبين إليها ، ومن جهة الفكر بحيث تمتد أدبيات التصوف الإسلامي بتاثيراتها علي المجتمع والأفراد ، وتتغلغل المكونات النظرية للتصوف في الثقافة السودانية بمختلف التطورات التي لحقت بها وقد تشكلت الثقافة الإسلامية السودانية العملية والمجردة علي ضوء الحقيقة الصوفية ، ومضت في اتجاهات التفكير الصوفي ومعطياته .
وأرتبطت الأرض السودانية منذ وقت باكر بالعلماء المسلمين من الصوفية ، الذين نشروا معرفتهم وعلمهم علي أساس صوفي ، وربما كانت تعاليم السادة الشاذلية هي الأولي انتشارا في البلاد ، فلقد قدم الشيخ حمد ابودنانة صهر عبدالله بن محمد بن سليمان مؤسس الطريقة الشاذلية بالمغرب ، إلي السودان في القرن الخامس عشر واستقر في منطقة ( سقادي) بارض الجعليين في شمال السودان .
وقد ظل الإسلام ضعيفا في هذه البلاد من جهة الالتزام بأصوله وتعاليمه ، حتي في زمن قيام دولة الفونج الإسلامية في سنة 4- 1505 م فلم تكن هنالك مدرسة علم أو دور معرفة إلي أن بدأت طلائع رجال العلم من المتصوفة في الورود ، وكان علي رأس هؤلاء الشيخ محمود العركي
وقد ولد بالسودان ، وسافر إلي مصر وتلقي بعض العلم ، ويروي أنه أول من أمر النساء بالعدة ، وكانت المرأة قبله يطلقها زوجها وتتزوج في ذات اليوم.
وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، جاء إلي البلاد الشيخ إبراهيم البولاد من مصر إلي منطقة (الشايقية ) بشمال السودان ، وقام بتدريس الفقه المالكي بها وهو رجل عالم تعود أصوله إلي اليمن في الجزيرة العربية ، وقد أخذ الفقه المالكي علي الشيخ محمد البنوفري ( ت 1590 م)، كماأخذ عليه النحو وعلم الأصول ، وقد اقام مدرسة للعلم الديني اشتهرت وقصدها الطلاب من مناطق بعيدة ، وتتلمذ علي يديه الكثيرون وأعقب هذين الرجلين العالمين ، شخص آخر كان له أثر عميق في الثقافة الإسلامية السودانية الباكرة ، هو الشيخ تاج الدين البهاري ، وكان قادريا ، ولد في بغداد في العراق ، وكان مجئه إلي البلاد في أواسط القرن السادس عشر الميلادي ، واستقر في منطقة وسط السودان وتزوج من السكان المحليين وقد أسس وأوجد جيلا من الاتباع يمكن اعتبارهم طائقة نوعية من أبناء البلاد حيث انهم كانوا جميعهم تقريبا علي رأس المجموعات التي ينتمون إليها ، ويري صاحب كتاب الطبقات ، الكتاب العمدة في تاريخ الثقافة السودانية في القرنين السادس والسابع عشر ، أن البهاري ربما أعطي طريقته لاربعين شخصا ، ذكر منهم الفقهاء ، وكذلك عبدالله الحمال جد الشيخ حمد بن الترابي الرجل الذي قاده طموحه الديني والزعامي إلي ادعاء المهدية ، ولكنه ركز في تأسيسه الصوفي علي الشيخ محمد الهميم وتنبأ له بشأن عظيم ، كما أن البهاري لم يغفل في مجيئه الي السودان أن يعقد صلته مع حاكم دولة الفونج انئذ الشيخ عجيب ، وأن يهب له ملكا لايخرج من ذريته .
وهكذا توافد العلماء ومشائخ التصوف ورودا الي السودان ، لتأسيس أتباع لهم ولنشر العلم ، وأدي هذا الأمر في إمتداده واتصاله الي رفد الساحة السودانية بالمزيد من جرعات الثقافة الإسلامية وفقا للمنهج الصوفي في أكثر الأحيان .
التصوف الإسلامي في الحياة السودانية:
يعتقد يوسف فضل حسن أن العلوم الفقهية لم تجتذب معظم السودانيين وفضل عامة الناس الانخراط في التصوف ، وكان قادة التصوف يبسّطون الدين أمام هؤلاء ولايطالبونهم بالكثير ، ويركزون علي المسائل السلوكية ، ويوجهون اتباعهم نحو قراءة الأذكار والأوراد وكلها محددة وجاهزة ليس عليهم إلا تلقيها ، واستعمل مشائخ التصوف الترانيم والطبول والقصائد الموقعة بالتلحين لتعميق التعاليم الإسلامية ، وهذا حبب العامة إليهم وقربهم منهم ، وكان المنتسبون يعتقدون ببركة مشائخ التصوف وعظم تدينهم، ومقدراتهم اللامتناهية في الجلب والكف والمنع ، فكانوا يلجأون إليهم ويلوذون بهم ، ويؤمنون أن من يلتزم بتوجيهات شيخه فإنه لن يصاب بمكروه ، ومن أجل هذا أصحاب مشائخ الطرق اصحاب سلطان روحي عظيم علي اتباعهم وعلي غيرهم .
وقد اعتبر التصوف في السودان اتجاها طبيعيا ونزعة فطرية للسكان ، وفقا لما هو معروف عن مزاجهم وميولهم
إن للسودانيين ولاء أعظم من ولائهم القبلي وأكثر حيوية بكثير من تبعيتهم لأي نظام حاكم ، ولاء للإسلام الصوفي ، الذي أسسته الطرق الصوفية وقد قامت هذه الطرق بدور اعلامي فعال في أطراف العالم الإسلامي ، واعتبر رجال هذه الطرق رجالا صالحين واولياء ، نسبت إليهم الكراماتوكانوا موضعا للاجلال والتقدير باعتبارهم مصدرا للبركة ، التي يمكن انتقالها بالوراثة أو بالاتصال الروحي ، ومن ثم اصبحت مدافنهم مزارات يؤمها الناس.
وربما مرت الحركة الصوفية السودانية بعد وجودها في البلاد بثلاث مراحل اساسية ، المرحلة الأولي ، وهي فترة لاتتوافر عنها معلومات لانقطاع الاخبار ، ولكن ذلك لايعني أن السودانيين في تلك الأونة لم يعرفوا التصوف ، المرحلة الثانية ، وقد أخذت فيها الطرق تظهر وتنمو وتتشعب وتأخذ اتجاهات جديدة ، ثم جاءت المرحلة الثالثة ، والتي ظهرت نتيجة لمؤثرات الحجاز القوية في أواخر القرن السابع عشر ، ولقد كانت الطرق التي ظهرت في هذه الفترة ذات اتجاه تجديدي علي نحو مانجد في الختمية والسمانية .
وقد يكون للعقائد السابقة للإسلام في هذه البلاد أثر في قوة انتشار الطرق الصوفية في السودان إن تاريخ السوداتيين الديني القديم يزخر بعمق الطاعة للمعبود وحسن الولاء له إن الطرق الدينية من أهم الظواهر الإسلامية في السودان فقد انتشرت انتشارا قل أن تجد له نظيرا في أي بلد إسلامي آخر ، حتي ربما يكاد ينتمي كل فرد سوداني مسلم إلي طريقة مافي فترة ازدهار التصوف في السودان
تأثر التصوف السوداني بالمؤثرات الحجازية خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، إلا أن الأثر المصري بدأ واضحا منذ القرن السادس عشر مع بداية دخول التصوف إلي السودان ، وفي هذه الفترة كان التصوف الإسلامي بسيطاً ومحدودا من حيث العمق العقلي والفكري ، فالرياضات الروحية والالتزام السلوكي والعمل بالرواتب والنوافل والطاعات كان منهج صوفية ذلك القرن ، لكن سيطرت عليهم كذلك الخزعبلات والترهات وتسرب إلي التصوف السوداني مدخلات وثنية أثرت علي الطقوس ومسالك العبادة التي يؤديها المتصوفة ، واعتبر حسن مكي محمد أحمد أن الطريقة القادرية وهي إحدي أكبر الطرق في السودان ، أن أوزار تشوهات الفكر الصوفي في السودان يتحملها القادرية ، فقد امتلأت أدبياتهم بالأباطيل والترهات ، وارجع هذا الأمر إلي أن القادرية لاتملك مصدرا أصوليا لآدابها وقواعدها ، إذ أن مؤسسها الأول لم يترك شيئا من ذلك ، وكل تراث القادرية إما هو من اجتهاد قادة فروعها أو مأخوذ من الطرق الاخري
ومن هذه الخزعبلات ما أورده ابن ضيف الله عن الشيخ عبدالرحيم بن عبدالله العركي أنه ولد وأبوه الشيخ عبدالله غائب لم يواقع أمه ، ولكنه أتاها عن طريق الخطوة
ومن ذلك ما رواه عن الشيخ حسن ودحسونة وهو يصف بدايته في التصوف وما حدث له من تجليات ..(.. أنا في الخلوة راقد رأيت نجمة كبيرة في السماء تعلقت بها روحي وخرجت من جسمي فطارت ، فخرقت السموات السبع ، فسمعـت صرير الأقلام ، فلو كان يا( كوفي) بعد محمد نبي لقلت تنبأت ، ثم رجعت فوضعت في جزيرة من جزاير المالح فجاءني رجل لابس كسايين من صوف فلقنني اسمين ومشي معي خطوتين وجابني في قوز الصغيروناب فوجدت الشيخ الزين في الدرس ومعه ثمانية طلاب فلما قابلتهم رطنت رطانة عجمية .وهكذا فإن أدبيات التصوف في السودان ارتبطت بفكر الكرامة وروح الاعجاز ، وتجاوز المعقول وكان خطاب الصوفية يقوم في جانب عظيم منه علي هذه المفاهيم.
القيادة في الطرق الصوفية :
يقوم مفهوم القيادة لدي الصوفية بشكل عام علي ( الشيخ ) وهو بالأساس المصدر الذي يتلقون عنه ارشادهم والتوجيهات الخاصة بهم في أمور الدنيا والدين ، والطرق الصوفية السودانية تملك في بناءها الهرمي نوعا من توزيع السلطات المحدود ، لسيطرة ونفوذ(الشيخ) أو ( المشيخة ) يتمثل في اضفائه علي بعض تلاميذه المخلصين واتباعه القدامي القاباً تجعل لهم دورا ونفوذا ، وهو علي الرغم من محدوديته إلا انه يصور شكلا من تقسيم الأعباء وتولي جانبا ولو بسيطا من القيادة العامة ، تكون لدي من يسمون بـ(الخلفاء ) و( المقدمين ) و(الملازمين ) وكذلك( المشائخ ) وتتدرج طبقات هؤلاء وتتنوع وفقا لما سنسعي إلي تفصيله لاحقا ، لكن القيادة الروحية والسلطوية والإدارية تجتمع عند الشيخ وتلتقي لديه .
وقد اطلق لقب ( شيخ ) علي بعض كبار العلماء والكتاب والوزراء – في السابق – وفي التاريخ الإسلامي ، ولكنه ارتبط ومنذ أمد بالصوفية وصار مصطلحا خاصا بهم. والشيخ عند الصوفية ، صاحب مكانة سامية رفيعة ، فهو الذي يربي الأرواح ويخلصها من أدران الحياة وأدواء القلوب ، وهو الذي يصل بالمريد الي مرضاة الله تعالي ، ويكون التلميذ بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله ، فالمحبةفي الله خالصة ، والثقة في الشيخ تامة لاتشوبهاشائبة
وعندما يتعلق المريد بشيخه – كما في اعتقاد الصوفية- ويتصل به اتصالا معنويا وثيقا ، فإنه يكون دائما معه وقريبا منه في ذهنه وسمعه وطرفه وجميع حواسه الظاهرة والباطنة ، وأن لم يصح عهد المريد مع شيخه فلا يشهد منه سوي البعد ، نلاحظ هذا في كلام الشيخ محمد بن عبدالكريم السمان صاحب الطريقة السمانية ، فهو يقول ( فإن أخذتم يا أولادي عهدي وعملتم بوصيتي سمعتم كلامي ، ولو كان أحدكم بالمشرق وانا بالمغرب ، رأيتم شخصي ومهما أشكل عليكم أمر من واردات سركم واردتم تستخيرون( هكذا) ربكم في شيء أو قصدكم أحد بأذية فوجهوا وجهكم وضعوا سركم واطبقوا عين حسكم . وافتحوا عيون قلوبكم فإني تروني جهارا ، فاستشيروني حينذ في جميع أموركم وأطلبوا مني حوائجكم وماقلته لكم فاقبلوه وامتثلوه وهذا ليس خاصا بي بل كل شيخ صدق في محبته مريدوه فهو كذلكوعندهم أن الشيخ هو الركن الأعظم في الطريقة وعمدتها ولديهم أن سبيل الدين غامض وسبل الشيطان كثيرة ، مالم يأت (الشيخ ) ليوضحها وليبينها ، وليقود اتباعه بالهداية والرشد الي سبل الخير والفلاح ، قال أحد مشائخهم هو الشيخ( البكري):
طرق الهداية لا تسلكن فيها بلا دليل قد دري خافيها
فربما هويت في المهالك إن لم تسر بسير سر سالك
وإن تسر بغير ما دليل وقعت في التشبيه والتعطيل
ولذلك فإن محي الدين بن عربي كان يقول :
( من لاشيخ له فإن شيخه الشيطان )
وإرادة التابع تنمحي في إرادة المتبوع (الشيخ) فيكون طائعاً مستجيباً سّماعا للتوجيه والنصح والارشاد ، متعاونا مع اخوانه الصوفية منسجما مع تنظيمهم الروحي ، فالشيخ هنا يشكل رابطا يجمع هؤلاء علي اختلاف سحنهم وألوانهم وقبائلهم ومستوياتهم الاجتماعية ويقود هذه السفينة في الغالب الأعم بروح العدل ، إلا أن الاتباع الأعمي يمثل الظاهرة التي تشكل سلوك أبناء الطريقة وترسم مسارهم ، وتحدد وجهتهم ، وهذا يخدم أهداف الطريقة فهو يحقق قدرا من التناغم والتعايش دون صراعات في الحد الأدني إلا أن عيبه الكبير ، أنه يخفي رغبة مكبوتة ، وإرادة ذاتية ضائعة ومشيئة انسانية فطرية تنزع الي الاستقلال فالمشيخة و(الشيخ) يلغي إرادات اتباعه ويمحو استقلالهم بذواتهم ويخلق لديهم إرادة مكبوتة ، وقد قاد في وقت لاحق هذا الأمر الي وجود تشوهات في الشخصية الصوفية وأدي بها الي السلبية والانكفاء بل إلي ماهو أكثر من ذلك من انفجار الرغبات المكبوتة لدي الأتباع وتبديها في شكل صراعات ولكن وكما أشرنا يبقي مؤشر هام وايجابي في مفهوم ( الشيخ ) وطبيعة ( المشيخة) ، وهو الدور الايجابي الذي يقوده الشيخ في إحداث قدر من التوافق والرضي الاجتماعي لدي اتباعه فيما بينهم ،يؤدي إلي قبولهم لبعضهم بعضا، وإلي اتفاقهم علي الأقل في المستوي الظاهري وفي الإطار الخارجي . ونجد في أدبيات الصوفية ، مايدعو الشيخ إلي إلتزام جملة آداب وسلوكيات تجعله أهلا لمسئولة المشيخة وواجباتها ، ولذلك فقد تصوروا أن للشيخ آداب يعمل علي أساسها ، ويتصف بها ، حتي يكون مقبولا لدي أحبابه وتلاميذه قريبا منهم فذكروا من جملة هذه الآداب :
ألا يتكلم الشيخ مع المريد إلا وقلبه ناظر الي الله مستعينا به في الهداية للصواب من القول فقد قال السهروردي : لاتكلم أحد من (الفقراء ) إلا في اصفي أوقاتك لأن الكلمة تقع في سمع المريد كالحبة تقع في الأرض ، ومن أدب الشيخ أن يكون له خلوة خاصة ووقت خاص حتي يفيض علي جلوته فائدة خلوته.
ومن أدبه أيضا حسن خلقه واستعماله للتواضع للمشائخ والتعطف علي الأصحاب وقضاء حقوقهم في الصحة والمرض ، ومن الآداب حفظ أسرار المريدين فيما يقولونه.
ويجب علي (الشيخ) ، أن يكلم تلاميذه كلام الناصح الشفوق مثل الوالد لولده ، وأن يكون الشيخ في تدبير الأطباء وسياسة الملوك مع تلاميذه وأن يحاسب المريد ويتتبع حركاته حتي يعلم مدي صدقه ، وأن يكون للشيخ ثلاثة مجالس ، مجلس للعامة ، ومجلس لاصحابه ، ومجلس خاص لكل مريد علي انفراد.
وقد استطردنا في وصفه جانب من وظيفة الشيخ وأدواره والاخلاق التي ينبغي أن يتحلي بها في أدبيات التصوف للإشارة إلي حقيقة المؤسسة الصوفية ، وطبيعة المناهج التربوية التي تبناها وانعكاسات ذلك علي مجتمع التصوف فيما يتصل بالعلاقة التبادلية بين قيادة مجتمع التصوف وبين قواعده ، وسنلاحظ فيما يلي ، كيف تؤثر القيادة الصوفية علي المجتمع وماهو الدور الذي تقوم به ، ومامدي الاستجابة التي تتوفر لدي هؤلاء القادة من أتباعهم ومن المجتمعات المحيطة بهم من غير الأعوان والتلاميذ .
القيادة الصوفية والأثر الاجتماعي :
- دينامية ( المشيخة ) وبناءها التقليدي :
كما أشرنا فإن القيادة في الطرق الصوفية السودانية تقوم أولا علي (الشيخ) الذي هو مركز السلطات الروحية والإدارية ، ثم يأتي مني بعده الخلفاء كما في الطريقة الختمية ، وهي طريقة مصدرها حجازي دخلت الي البلاد في سنة 1816م بواسطة مؤسسها السيد محمد عثمان الميرغني(الختم) ت 1852 ، والخلفاء جسم تنظيمي للطريقة الختمية ، يقوم فيه الخليفة بدور المتابعة والمراقبة للنشاط الروحي والتربوي والاجتماعي لاتباع الطريقة ، فالخليفة يعقد الحضرات ، وهي اجتماعات الاتباع التي يمارسون عبرها طقسهم الروحي ، من ذكر وتلاوة للأوراد أو الانشاد العرفاني ، وهـي اشبه بالخلية أو الأسرة لدي التنظيمات الدينماية المعاصرة ، كما أن الخليفة يقوم بجمع الاشتراكات المالية للاتباع ، ويقوم بتنظيم الاداء الاجتماعي ، من زيارات ومشاركة في المناسبات الاجتماعية لهؤلاء الأفراد ، وينظر في احتياجاتهم الوقتية وأوضاعهم ، والخليفة ممثل ( الشيخ ) ، وأراد شيخ الختمية أن يؤسس لتصور مثالي لمفهوم ( الخليفة ) ، فهو يقول ( خليفتي كذاتي ) ، أي أن خليفته يضاهيه ويماثله في الأهمية والقيمة والدرجة ، وينوب عنه في كل شيء ، لكن علي المستوي العملي يبدو تحقيق ذلك أمراً عسيراً وصعب المنال ، فالخليفة ، في الواقع أداة من أدوات الشيخ التي يبسط بها نفوذه علي مجتمعه الصوفي الذي هو طريقته ، ومع ذلك فإن الخليفة يمثل صورة من صور القيادة التقليدية داخل المجتمع الصوفي ، وعلـي الرغم مــن أنه يختار بواسطة ( مؤسسة المشيخة ) إلا انه كذلك نموذج لتقسيم النفوذ وتوزيع الأعباء – كما وضحنا- فالخليفة نفسه تتوزع سلطاته بين (النقباء ) و( المقدمين) و( الملازمين ) ، وهؤلاء يستمد بعضهم نفوذه من (الشيخ) مباشرة بينما يأخذ الآخرون سلطاتهم عبر الخليفة . فالمقدمون والملازمون يتبعون لـ( مؤسسة المشيخة ) ، لأنهم يلازمون الشيخ ويكونون معه ويشاورهم الشيخ في بعض الأمور , وهم يصرفون شئون المشيخة في المسجد والأديرة التابعة له ، ويطلق علي الأبنية التي تمثل مؤسسة المشيخة ، وعبرها تقوم المشيخة بممارسة مهامها ، كلمة ( المسيد ) ، وتضم هذه الأبنية المسجد ، وخلوة الشيخ ، وخلوة القرآن والحضرة وهي مكان جلوس الشيخ وربما استقبل فيه ضيوفه وزواره ، ومساكن الطلاب وملحقاتها ومنزل الشيخ وغير ذلك .
ويصنع بعض المقدمين لنفسه مكانة ومنزلة لدي الأحباب والأتباع ، فيقوم بممارسة بعض الأدوار في العلاج الروحي والارشاد الديني والاجتماعي ، وربما زادت مكانة مقدم من المقدمين ، وتوسع نفوذه فيقوده ذلك فيما بعد إلي تكوين مشيخة شبه مستقلة به ، فيكون له اتباع وتلاميذ وأحباب ، وهذا واضح جدا في كل الطرق السودانية خلا الطريقة الختمية التي هي طريقة مركزية تستمد وجودها من قياداتها الروحية ولابد للشيخ العام أن يكون من آل الميرغني الذي هم ذرية محمد عثمان الميرغني ( الختم) مؤسس الطريقة ، ولايحق لأي من الأتباع مهما وصلت درجته إلي أن يكون إماما لهذه الطريقة ، وآل الميرغني هم من آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم ، وهذا يضفي عليهم قدسية وخصوصية في القيادة ، وربما كان في هذا أثر تشيع محدود : فالشيعة الجعفرية يعتقدون أن النبي محمد صلي الله عليه وسلم عين بأمر الله تعالي أحد عشر إماماً بعد علي عليه السلام ، وهم مع علي الأئمة الاثنا عشر ، وقبيلتهم قريش ، وقد وردت الإشارة الي عددهم وليس إلي اسمائهم في بعض كتب الحديث الصحيحة حيث روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :
( إن الدين لايزال ماضياً ، قائما عزيزاً منيعا ما كان فيهم اثنا عشر أميرا أوخليفة كلهم من قريش ) ويعتقد الشيعة أن هؤلاء هم أهل البيت الذين نصبهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وبأمر الله تعالي قادة للأمة الإسلامية ، ويعتقدون بأنه يجب اتباع أهل البيت ،وإلتزام طريقتهم ، لأنهم هي الطريقة التي رسمها رسول الله صلي عليه وسلم للأمة ، وأوصي بسلوكها ، والإلتزام بها
وعلي كل حال نحن لانسعي هنا إلي مناقشة هذه الفكرة ، وإنما نحاول أن نثبت أن نظرية القيادة لدي الطريقة الختمية وصلت إلي ماوصلت إليه الآن نتيجة لأمرين اساسيين هما:
- الظرف التاريخي للطريقة الختمية ونشؤها وتطورات الاحداث التي لحقت بها أدت إلي وجود قيادة عملية وسياسية من لدن بيت الميرغني .
- علي الرغم من أن الختمية جماعة سنية إلا أن تسربات الفكر الشيعي مما لايمكن انكاره لدي الختمية ، خاصة ,ان اسلاف بيت الميرغني وقبل زمن بعيد من دخولها البلاد اتصلوا ببلاد فارس وربما تزوجوا هناك وتداخلوا مع الفرس.
وعلي الرغم من أن الختمية الآن – لظروف واقعية – يزعمون أنهم لايتصلون بالتشيع من أي ناحية إلا أن أدبياتهم تصدق ماذهبنا إليه من الربط الوثيق في نظرية القيادة بين الشيعة وبين الختمية وربما أن ثمة اختلافات طفيفة في أصل النظرية ، نظرا لازدهار الختمية في مجتمع سني وبين اتباع سنيين إلا أن مفهوم القيادة لدي الأمة ، نجده عند اتباع الطريقة الختمية ، نموذجاً لمفهوم الائمة عند الشيعة في أبسط صورة ممكنة ، دون تعمق ، لكن الأصل واحد هو الأعتقاد بقوة في أحقية آل البيت بالقيادة للأمة ، دون تشدد في اعتبار أن الأمر أصلاً من أصول الدين كما لدي الشيعة ، وليس هذا المعني غريبا علي العالم السني ، فنحن نجد طرفا منه في الممالك التي اقامها آل البيت في المجتمعات الإسلامية في الحجاز والأردن والمغرب واليمن وما إلي ذلك ، وحتي دولة محمد أحمد بن عبدالله مهدي السودان قامت في أساسها علي نظرية الأصل الشريف ، ولعل هذا من تطورات النظرية والتحولات التي حدثت حولها.
وإذا ما عدنا الي مسألة المشيخة في بقية الطرق السودانية ، فنحن نلاحظ أن السمانية – وعلي الرغم من أنهم طريقة غير مركزية – لا تجد باسا في أن يخلف الابن أباه في القيادة ، وأن يكون نقيبا عنه بعد وفاته بحيث يقوم بذات الأدوار التي كان ينهض بها والده ، بل ويشجعون هذا المسلك في تخليف الابناء .
ولكنهم يمتلكون اختلافا جوهريا في مسألة المشيخة مع الختمية ، فهم لايجعلون المشيخة حقا خاصا بآل بيت أحمد الطيب بن البشير مؤسس الطريقة السمانية في السودان أو ملكا لايتجاوهم ولذلك وجدنا أن الطريقة انتشرت بواسطة الاتباع وهم الذين منحوا هذا الانتشار الدينماية والفاعلية ، وقد أسست العديد من فروع السمانية في مختلف انحاء القطر بواسطة الأتباع والتلاميذ ، ومثال علي ذلك ، المركز الذي أسسه محمد التوم بن بان النقا ( ت 1852 م) الذي نشر السمانية بين قومه من اليعقوباب في وسط السودان ، وكان عهد الشيخ محمد توم ، نقطة تحول حقيقي أو مايمكن أن نسميه بالانتقال النوعي في مسار الاعتقاد والانتماء المذهبي لدي اليعقوباب بسلوك الشيخ محمد توم لهذا الطريق الجديد وانتظامه فيه واتباعه للمنهج السماني بعد أن كان اليعقاوب قادرية حولهم محمد توم عنها الي السمانية .
ويمكن اعتبار هذا العهد في تاريخ اليعقوباب بمثابة الفترة الأخيرة التي لايعقبها تحول في تدرجهم الصوفي ويمكن تسميتها بمرحلة الطريقة السمانية اليعقوبابية.
وقد امتد أثر محمد توم ليشمل تلاميذ آخرين أقام كل واحد منهم مؤسسة خاصة به للتصوف ، واستقل عن مركز محمد توم ، من هؤلاء الشيخ زين العابدين بن عبدالله العجوز ، والشيخ طله بن حسين الفلاتي واصله من فوتا توورو ( السنغال ) والشيخ محمد النور ( راجل ريبة ) بالقرب من سنار ، الذي ونتيجة لتأثيراته تكونت مدرسة أخري للتصوف في منطقة النيل الأبيض ، بواسطة الشيخ عبدالرحمن الإمام المعروف بـ( قادر ولي ) وهو الجد الثالث للشيخ الياقوت صاحب المسيد المعروف بمنطقة جبل أولياء ( علي بعد 50 كيلومترا من الخرطوم ) في قريته المسماة بالروضة وقد تناقلت هذه الأسرة السند السماني الي شيخها الحالي ، ومن تلاميذ محمد توم كذلك الشيخ محمد برير بن الحسين الجعلي ( ت 1885 م) بمنطقة شبشة بالنيل الابيض ، التي اقام بها مدرسة لتعليم القرآن وتدريس الفقه والعلوم الإسلامية والتفت حوله أعداد ضخمة من المريدين ، وقـد ترك بدوره أثراً علي تلاميذه الذين شكل بعضهم إمتداد لمدرسته العلمية ، وكان منهم الشيخ عوض الله بن أحمد ( النمير) بن عبدالله عريض( ت 1935) أحد أبرز تلاميذ الشيخ برير وقد خلفه ابنه أحمد ( ت 1969م) الذي أسس (مسيدا ) بمنطقة ( الصفيراية ) ومن تلاميذ الشيخ محمد برير كذلك الشيخ عمر بن محمد عبدالله الصافي في منطقة الكريدة وقد توفي في سنة 1932م ، وقد امتد أثر وجهد الشيخ عمر الي منطقة الزريبة بشمال كردفان ليكون هناك تلاميذ أهمهم الشيخ محمد وقيع الله(ت 1944م ) وهو والد الشيخ عبدالرحيم ( البرعي) والشيخ عبدالرحيم البرعي مدرسة متكاملة في الفكر الصوفي والعمل الديني الاخلاقي ، وقد خلف أثرا في جميع انحاء السودان ، ولعله يمثل اوضح مدرسة للتصوف في السودان المعاصر ومن تلاميذ الشيخ أحمد الطيب بن البشير كذلك الشيخ أحمد البصير الحلاوي ( ت 1831) والشيخ القرشي بن الزين ( ت 1878م) والمركزان ساهما في احتضان الثورة المهدية ودعمها ، والشيخ عبدالله الصابونابي ، ت 1852 ، وغيرهم فكل هؤلاء التلاميذ أسسوا مراكز خاصة بهم واقاموا مدارس للعلم وللتوعية والاصلاح الاجتماعي ، اسهمت في الدعم بحركة التغيير في البلاد . وساعدت علي نمو وازدهار العمل الإسلامي ، وأسست لبناء العقلية الدينية السودانية ، وقدمت جهداً اضافيا في التمسك بالقيم والأخلاق والتعاليم السامية ، وأصبحت مراكزا مستقلة في وجودها لايربطها بمؤسس الطريقة وذراريه الا الود والاحترام والتقدير ، لكنها مراكز منفصلة بشكل تام وعلي هذا الأساس نمت الطريقة السمانية فلم تبق القيادة مركزة في دائرة واحدة أو مجتمعة لدي يد واحدة ، بل تعددت المناحي ، وكثرت المشارب وتنوع المشائخ والمدارس والتوجهات ، والنتاج المعرفي . ولذلك فإن فكرة المشيخة عندهم بقيت أمرا مختلف عليه تتباين فيه الأراء وتختلف حوله الافكار ، ولذلك فنحن نري أن بعضهم أكسب تطوراً واستحداثا لمفهوم (الشيخ) فبعض السمانية يري أن مرتبة الشيخ تكون علي صورتين :
ألاولي : من يمكن تسميته بشيخ المقام أو شيخ الأرشاد ، والثانية من يسمي بشيخ الخدمة أو شيخ السجادة وشيخ الارشاد هو من تواقع له السمانية علي الاعتراف له بالمكانة العلمية العالية في علوم الدين والتصوف بحيث يكون عارفاً باحوال التصوف ومقاماته ومراتبه ودرجاته وصفاته ، ويكون محلاً لامانة الارشاد ، فيقوم بدور التوجيه والتربية والاصلاح الديني والاجتماعي ، كما أنه يقوم بتربيته وترقيته في سلوكه نحو الله وتدرجه في سلم الكمالات من مقام الي آخر ..
أما شيخ الخدمة ، فهو شيخ ورث سجادة الطريقة عن أبيه أو عن أحد اقربائه ، نتيجة لقوته أو مكانته عند أهله ، أو لإدارته الحسنة في ترتيب شئون وأحوال مؤسسته التي اصطلحنا علي تسميتها بالمسيد ، أولوصية تم تخليفه بها أو غيرها من الأسباب التي لاتمت للعلم أو المعرفة بالعلم والإدراك لقيم الدين بصلة ، وقد يكون عامياً لايعرف القراءة ولا الكتابة ، وهذا مهمته ، أن ينهض بعبء وتصريف أمور من خلف ، فيقوم علي رعاية زوجات الشيخ السابق وابنائه الصغار وخدمة المريدين بالمسيد والضيوف وغيرها من الأعباء ويكفيه في جلوسه في محل من ورث أن يكون اتباعه وحواريوه علي قناعة تامة بصلاحه ، وشيخ السجادة كما يري بعض السمانية وضعه أكمل وأعلي وهو يفوق شيخ الإرشاد من حيث المنزلة الذي يكون بدوره تابعا وتحت أمرة شيخ السجادة
وكما أشرنا - فإن هذه رؤية متطورة عن نظرية (الشيخ) وإن كانت تحمل بعض جوانب القصور فهي لم تعط الأمر دورا تكامليا ، وانما استنبطت وظيفة مستمدة من روح المشيخة وصيرتها جزءا منها ولم تكفل له حق الاستقلال .
وعلي وجه العموم فإن السمانية أكثر تشاورا وديمقراطية في تخليف الشيخ ، عن الختمية وأن أدي نموذجهم في التشاور إلي الانفلات والنزاع حول المشيخة، فالسمانية منذ وفاة شيخها الأول لم تستقر علي شيخ واحد إمام يقود مسيرتها وحدث نزاع حول من يكون الخليفة للشيخ المؤسسين ويبدو أن الاختيار لهذا المنصب كان يتم بواسطة كبار الأتباع وبتشاورهم ، وتدخل العامل القبلي والعشائري في النزاع وأضحي كل طرف من أطراف النزاع يدعو الي قرابته من جهة الأم لأحد ابناء الشيخ المؤسس للطريقة .
الممارسة للقيادة الاجتماعية والسياسة لدي مشائخ الطرق الصوفية :
الدور السياسي :
علي الرغم من الأدعاء القديم لدي الصوفية انهم ليسوا أهل سياسية ولايتدخلون في مسألة الحكم بخير أو بشر ، ولكن الظاهرة الأهم التي تلاحقنا عند دراسة هذا الأمر هو أن الصوفية في السودان كانوا ومنذ الأزل علي صلة بالحكام ، والمشاهد الأبرز في هذه الصلة ، هي حرص المتصوفة علي أن يكون لهم تأثير علي السلطة ، وعلي أن تكون مكانتهم لديها موفورة القدر ، عظيمة الشأن ، وعلي أن يحصلوا علي منح السلطان أي كان نوعها ومهما كانت طبيعتها ، وقد تمثلت هذه المنح والهبات والهدايا في صورة ، اقطاعات وأراضي ، وأموال ومعونات مادية وأدبية وبقي الصوفية يلتزمون بمساندة الحكام ومساعداتهم ، فكانوا وسطاء في بعض الأحيان بينهم وبين المحكومين أو شفعاء لدي الحكم من قبل المحكومين ، ولم يفرق الصوفية في اعطائهم للولاء بين حكم محلي صاحبه سلطان سوداني أو حكم أجنبي قائده غير سوداني ، فلقد قدموا انتماءهم لكل صولجان حكم ، وكل منصة رئاسة ، وأدعي بعض الصوفية لدي العامة أن الحكام يهابونهم ويرهبون شرهم ويخشون نقمتهم ، فحبب إليهم ذلك العوام ، وقرب اليهم أفئدة الشعب الذين جعلوا من شيوخ التصوف أساطير وحكايات تدل علي قوتهم وعزتهم وشدة بأسهم . وكما ذكرنا فإن تطلع رجال الطرق الصوفية وعلماء الدين بشكل عام للاتصال بأهل الحكم وبالسلطان ظل أمرا غالبا في التجربة السودانية ، وتطالعنا العديد من النماذج في هذه الناحية : فالشيخ إدريس بن الشيخ عبدالرحمن بن جابر البولاد ، توقفت مدرسة العلم التي جلس للتدريس فيها بعد عمه الشيخ إسماعيل والسبب وراء ذلك هو زواجه بملكة( كجبي ) في منطقة الشايقية ، وكان يذهب إليها في عطلته من الأسبوع ، فأبت عليه إلاّ أن يرتحل إليها هو وطلابه ، فأمتنع الطلاب عن ذلك خوفا من الفتنة ، فقد كانت تملك الجواري الحسان ، فقال الفقراء ( عندها الخدم يدخلن ويمرقن يفسدن علينا أدياننا ) وبسبب ذلك تفرق عنه تلاميذه ومن ذلك أيضا : أن أم الملك عمارة أبو سكيكين ، مرضت مرضاً شديدا ، فرقاها الشيخ بان النقا الضرير ، فلم تشف فقال له الملك : ( أنت في السابق كنت جندينا ثم بقيت جندي الله ) أي أنت كنت تنفذ كلامنا وتعمل عندنا ، ولكن نذرت نفسك لله ، وأقسم عليه إلا أن يعود لخدمته ففعل وقد ساق ابن ضيف هذه الواقعة في سياق حديثه عن كرامات الشيخ بان النقا ، ولا أدري أية كرامة هذه !! التي يشترط فيها الملك أن يخدم الشيخ الملك عوضا عن خدمته لله ، فيستجيب له الشيخ ، وقد وصل الأمر ببعض ملوك الفونج أن بعضهم ومنهم الملك بادي بن رباط أراد أن يجعل نصف خراج الأرض التي يحكمها للشيخ إدريس بن محمد الأرباب ، ولكن الشيخ امتنع عن ذلك وقال: ( هذه الأرض دار النوبة وأنتم غصبتوها منهم فأنا لا أقبلها اعطوني الحجز في كل شيء ) ، أي اعطوني الشفاعة في كل شيء ، فالحجز هو الوساطة وفض المنازعات والصلح بين المتشاجرين وقد أجابه الملك الي ماطلب
ويقول ابن ضيف الله ان الشيخ إدريس دخل الي عاصمة الملك سنار أحدي وسبعين مرة للتوسط في قضايا المواطنين ، وكان الشيخ عجيب أحد ملوك سنار يشاوره إذا أراد الحرب ، فيتنبأ له الشيخ إدريس بما يراه
وكان عهد الفونج وسلطنتهم هو قمة المجد والعلو لطائفة الفقراء ، أو جمهور المتصوفة ، فقد كانت الشفاعة والتوسط في الأمور ذات البال أحدي الاشياء التي تميزوا بها ، ومن الصحيح أن نقول إن زمن الفونج هوعهد ( دولة الفقراء ) الذين هم رجال التصوف .
وقد أرتحل الشيخ أحمد الطيب بن البشير الي منطقة وسط السودان حيث السلطة والنفوذ والجاه العريض والأراضي التي تمنح لرجال الدين والتصوف وبقي هناك لفترة ليست قصيرة ، تعرض خلالها لمضايقات من منافسيه من رجال الطرق الصوفية من جماعة ( العركيين ) وهم قادرية ويعتبر اسلافهم من أوائل الذين أخذوا الطريقة القادرية وقاموا بنشرها في البلاد ، كما دعا الي عدم مقاومة الفتح التركي – المصري في 1821 ، عند قدوم جيوشه الي منطقة الشيخ الطيب ، كما انه بشر بمجيء حملات الفتح تلك واخبر الناس عن حكمهم الآتي مما عده أتباعه كرامة له .
وقد تعامل عدد من زعماء السمانية مع حكومة الفتح التركي المصري أو مايعرف بالتركية السابقة ، وكان أغلبهم يتلقي المعونات والمؤن من الخديوية ومن بين هؤلاء الشيخ أبوصالح بن أحمد الطيب والشيخ إبراهيم الدسوقي بن أحمد الطيب
وبالنظر الي مكانة الصوفية في المجتمع السوداني فلقد سعت الحكومات المختلفة الي اقامة صلة مع بعض خدم رجال التصوف لاهدافها تجاه المجتمع ، علي سبيل المثال ظل مركز السمانية في طابت يشارك في نظام الإدارة الأهلية وهو نوع من الحكم الشعبي ، في منطقتهم الي نهاية هذا النظام مع قيام حكومة مايو 1969م
الدور الاجتماعي :
يساهم الصوفية بدور مقدر في قيادة المجتمع والمشاركة في أنشطته التكافلية والتعليمية والتوعوية ، وفي نشر ثقافة السلام والحوار الاجتماعي ونبذ العنف والتوفيق بين المتخاصمين وفي درء مفاسد الفوضي والتحلل الأخلاقي وفي ربط الأتباع المرتبطين بهم وفق نسيج اجتماعي فريد ، وفي سنن الزواج والتعارف وايجاد الأسرة المسلمة ، وتذويب القبلية البغيضة ، والدعوات الشعوبية المنكرة ويمكن تلخيص مجهوداتهم الاجتماعية فيما يلي :
تأمين الطعام للمحتاجين والمساكين واحياء شعيرة التكافل
واشتهر الشيخ إدريس ابن الأرباب المحسي باسم( ابوفركة ) لأنه كان يعد الطعام بنفسه ويحكي عن الشيخ العبيد محمد بدر أنه كان في سياحة ومعه الشيخ المقابلي وهما من رجال التصوف البارزين فنفد طعامهما فعثر عليها أعرابي ، فأخذهما الي مسكنه المبني من القش، وأطعمهما ، ومنذ ذلك الوقت قرر الشيخ محمد العبيد تأسيس مسيده في منطقة النخيرة ثم انتقل منها الي أم ضبان ، وأصبح كرمه مضرباً للمثل ، وظل مسيده الذي يقدم الطعام لأعداد وفيرة من الناس ، ويصنع الأدام ، وكسرة الخبز في أحواض اسمنتية كبيرة ، ويضطر ( الفقراء ) أو المريدون الذين يعدون الطعام ، عند عجن الدقيق استخدم أعمدة طويلة اشبه بمجاديف المركب وصورتهم وهم هكذا أشبه برجال يحركون مركبا بمجاديف طويلة ، واشتهر الشيخ عبودي بـ ( جبل اللقمة ) ، فقدح ( اناء ) الطعام عنده يتطلب رجالاً عديدين لحمله وعرف الشيخ عبدالباقي أحد مشائخ العركيين في وسط السودان بـ( أزرق طيبة ) وكان يتحزم بثوب الزراق داخل ( التكية ) ( مكان الأكل ) ويشرف بنفسه علي اعداد الطعام ، وإلي ذلك فقد وهب العديد من الأراضي التي يملكها لبناء المدارس والجامعات
وعندما ضرب الجفاف والتصحر البلاد في الثمانينيات من القرن الماضي ، فتح الشيخ دفع الله الصائم وهو أحد مشائخ العركيين ، مسيده في أم درمان لالاف الزائرين وكان معظمهم من غير المسلمين يقدم لهم الطعام والغذاء
ولايمكن القول إن الاموال التي تنفق في هذه المؤسسات الخاصة بالصوفية ، هي أموال مشائخ الصوفية الخاصة ، لكن من الواضح أن هذه المؤسسات تلقي دعما من الأفراد والجمعيات ومن الدولة كذلك . وفيما يبدو أن تقليد ( التكايا ) ظهر فيما بعد الدولة الفاطمية ، وكان ضرب من التشجيع لمؤسسة التصوف علي حساب التشيع.
تنظيم وتاسيس المدن والقري :
وقد عمد معظم مشائخ الصوفية الي انشاء قري يجتمع الأتباع بها ، ويقومون في نفس الوقت بمسائل اقتصادية تعود عليهم وعلي مسائدهم بالنفع ، الشيخ عمر بن محمد عبدالله الصافي – وقد أشرنا إليه فيما سبق – استصلح أراضي المنطقة التي سكنها ، واسمها الذي اطلق عليها يحمل دلالات هذا العمل ، فاسمها ( الكريدة ) وكرد الارض في العامية السودانية اي استصلحها وقطع الاشواك بها كذلك قام الشيخ محمد وقيع الله والد الشيخ عبدالرحيم ( البرعي ) بتأسيس ( الزريبة )، وفي فترة حكم الفونج دعم السلاطين استقرار الشيخ طلحة القادم من السنغال في قرية حملت اسمه في منطقة النيل الأزرق فتجمع حوله المريدون من الفلاتة والعرب ، كما ساعد الشيخ محمد توم حفيد الشيخ طلحة سلطان مايرنو في تاسيس منطقة ( مايرنو) في سنة 1905م
لقد اعتمد تاسيس المدن والقري في أكثر أرض البلاد علي الأساس الديني ، وخاصة وجود مشائخ التصوف ، فمثلا مدينة الخرطوم مما ساعد علي نموها وجود الشيخ إدريس بن الأرباب المحسي ، كما أن وجود السيد علي الميرغني ( ت 1968) وهو أحد ابرز قادة الطريقة الختمية في القرن العشرين : في منطقة الخرطوم بحري واستقراره بالقرب من مدفن الشيخ خوجلي مع بداية الحكم الثنائي أعطي دفعة سكانية للمدينة.
وأسست مدينة ودمدني في سنة 1580م وأحدي مؤثرات قيامها وجود الشيخ محمد مدني السني ، فحملت المدينة اسمه وكذلك كسلا تأسست بمجهودات السيد محمد الحسن الميرغني ابن مؤسس الطريقة الختمية في السودان وكان والده قد بدأ في تأسيسها .
تذويب القبلية والنزعة العرقية :
والطرق الصوفية تحمل في داخلها مزيجا من الإثنيات المختلفة يتحرك هؤلاء دون محدد عرقي ويتفاعلون مع موجهات طريقتهم دون اشكالات جنس أو لون ، ويهتم الشيخ للحفاظ علي وحدة طريقته وصـيانتها علي احداث التناغم المطلوب في هذا الجانب .
العلاج الروحي والطب البديل :
وفي الإسلام اصولا للاستشفاء بالقرآن والسنة ، وقد استلهم الصوفية هذه الناحية ويعتمدون في مقدراتهم علي العلاج بالرقي وكتابة الأحجبة والنفث في الماء ، واستخدام ( المحاية ) التي هي محو القرآن بعد كتابته في لوح بالماء ويسقي للمريض ، الا أن العلاج الروحي داخله بعض العمل الفاسد وكثير من مشائخ التصوف لايفرقون بين هو حل وماهو حرام في الاستطباب ، كما يستخدم بعض الصوفية الاعشاب والابهرة والحبوب كالقرنفل والمحلب والزنجبيل واللبان وغيرها في أدويتهم .
نقلا عن موقع: http://www.mubarak-inst.org
الكاتب : د. طارق أحمد عثمان/جامعة افريقيا/مركز البحوث والدراسات الافريقية
مدخل:
تمثل مؤسسة التصوف في السودان قدرا كبير الأهمية من حيث الوجود والانتشار ، وتعدد المنتسبين إليها ، ومن جهة الفكر بحيث تمتد أدبيات التصوف الإسلامي بتاثيراتها علي المجتمع والأفراد ، وتتغلغل المكونات النظرية للتصوف في الثقافة السودانية بمختلف التطورات التي لحقت بها وقد تشكلت الثقافة الإسلامية السودانية العملية والمجردة علي ضوء الحقيقة الصوفية ، ومضت في اتجاهات التفكير الصوفي ومعطياته .
وأرتبطت الأرض السودانية منذ وقت باكر بالعلماء المسلمين من الصوفية ، الذين نشروا معرفتهم وعلمهم علي أساس صوفي ، وربما كانت تعاليم السادة الشاذلية هي الأولي انتشارا في البلاد ، فلقد قدم الشيخ حمد ابودنانة صهر عبدالله بن محمد بن سليمان مؤسس الطريقة الشاذلية بالمغرب ، إلي السودان في القرن الخامس عشر واستقر في منطقة ( سقادي) بارض الجعليين في شمال السودان .
وقد ظل الإسلام ضعيفا في هذه البلاد من جهة الالتزام بأصوله وتعاليمه ، حتي في زمن قيام دولة الفونج الإسلامية في سنة 4- 1505 م فلم تكن هنالك مدرسة علم أو دور معرفة إلي أن بدأت طلائع رجال العلم من المتصوفة في الورود ، وكان علي رأس هؤلاء الشيخ محمود العركي
وقد ولد بالسودان ، وسافر إلي مصر وتلقي بعض العلم ، ويروي أنه أول من أمر النساء بالعدة ، وكانت المرأة قبله يطلقها زوجها وتتزوج في ذات اليوم.
وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، جاء إلي البلاد الشيخ إبراهيم البولاد من مصر إلي منطقة (الشايقية ) بشمال السودان ، وقام بتدريس الفقه المالكي بها وهو رجل عالم تعود أصوله إلي اليمن في الجزيرة العربية ، وقد أخذ الفقه المالكي علي الشيخ محمد البنوفري ( ت 1590 م)، كماأخذ عليه النحو وعلم الأصول ، وقد اقام مدرسة للعلم الديني اشتهرت وقصدها الطلاب من مناطق بعيدة ، وتتلمذ علي يديه الكثيرون وأعقب هذين الرجلين العالمين ، شخص آخر كان له أثر عميق في الثقافة الإسلامية السودانية الباكرة ، هو الشيخ تاج الدين البهاري ، وكان قادريا ، ولد في بغداد في العراق ، وكان مجئه إلي البلاد في أواسط القرن السادس عشر الميلادي ، واستقر في منطقة وسط السودان وتزوج من السكان المحليين وقد أسس وأوجد جيلا من الاتباع يمكن اعتبارهم طائقة نوعية من أبناء البلاد حيث انهم كانوا جميعهم تقريبا علي رأس المجموعات التي ينتمون إليها ، ويري صاحب كتاب الطبقات ، الكتاب العمدة في تاريخ الثقافة السودانية في القرنين السادس والسابع عشر ، أن البهاري ربما أعطي طريقته لاربعين شخصا ، ذكر منهم الفقهاء ، وكذلك عبدالله الحمال جد الشيخ حمد بن الترابي الرجل الذي قاده طموحه الديني والزعامي إلي ادعاء المهدية ، ولكنه ركز في تأسيسه الصوفي علي الشيخ محمد الهميم وتنبأ له بشأن عظيم ، كما أن البهاري لم يغفل في مجيئه الي السودان أن يعقد صلته مع حاكم دولة الفونج انئذ الشيخ عجيب ، وأن يهب له ملكا لايخرج من ذريته .
وهكذا توافد العلماء ومشائخ التصوف ورودا الي السودان ، لتأسيس أتباع لهم ولنشر العلم ، وأدي هذا الأمر في إمتداده واتصاله الي رفد الساحة السودانية بالمزيد من جرعات الثقافة الإسلامية وفقا للمنهج الصوفي في أكثر الأحيان .
التصوف الإسلامي في الحياة السودانية:
يعتقد يوسف فضل حسن أن العلوم الفقهية لم تجتذب معظم السودانيين وفضل عامة الناس الانخراط في التصوف ، وكان قادة التصوف يبسّطون الدين أمام هؤلاء ولايطالبونهم بالكثير ، ويركزون علي المسائل السلوكية ، ويوجهون اتباعهم نحو قراءة الأذكار والأوراد وكلها محددة وجاهزة ليس عليهم إلا تلقيها ، واستعمل مشائخ التصوف الترانيم والطبول والقصائد الموقعة بالتلحين لتعميق التعاليم الإسلامية ، وهذا حبب العامة إليهم وقربهم منهم ، وكان المنتسبون يعتقدون ببركة مشائخ التصوف وعظم تدينهم، ومقدراتهم اللامتناهية في الجلب والكف والمنع ، فكانوا يلجأون إليهم ويلوذون بهم ، ويؤمنون أن من يلتزم بتوجيهات شيخه فإنه لن يصاب بمكروه ، ومن أجل هذا أصحاب مشائخ الطرق اصحاب سلطان روحي عظيم علي اتباعهم وعلي غيرهم .
وقد اعتبر التصوف في السودان اتجاها طبيعيا ونزعة فطرية للسكان ، وفقا لما هو معروف عن مزاجهم وميولهم
إن للسودانيين ولاء أعظم من ولائهم القبلي وأكثر حيوية بكثير من تبعيتهم لأي نظام حاكم ، ولاء للإسلام الصوفي ، الذي أسسته الطرق الصوفية وقد قامت هذه الطرق بدور اعلامي فعال في أطراف العالم الإسلامي ، واعتبر رجال هذه الطرق رجالا صالحين واولياء ، نسبت إليهم الكراماتوكانوا موضعا للاجلال والتقدير باعتبارهم مصدرا للبركة ، التي يمكن انتقالها بالوراثة أو بالاتصال الروحي ، ومن ثم اصبحت مدافنهم مزارات يؤمها الناس.
وربما مرت الحركة الصوفية السودانية بعد وجودها في البلاد بثلاث مراحل اساسية ، المرحلة الأولي ، وهي فترة لاتتوافر عنها معلومات لانقطاع الاخبار ، ولكن ذلك لايعني أن السودانيين في تلك الأونة لم يعرفوا التصوف ، المرحلة الثانية ، وقد أخذت فيها الطرق تظهر وتنمو وتتشعب وتأخذ اتجاهات جديدة ، ثم جاءت المرحلة الثالثة ، والتي ظهرت نتيجة لمؤثرات الحجاز القوية في أواخر القرن السابع عشر ، ولقد كانت الطرق التي ظهرت في هذه الفترة ذات اتجاه تجديدي علي نحو مانجد في الختمية والسمانية .
وقد يكون للعقائد السابقة للإسلام في هذه البلاد أثر في قوة انتشار الطرق الصوفية في السودان إن تاريخ السوداتيين الديني القديم يزخر بعمق الطاعة للمعبود وحسن الولاء له إن الطرق الدينية من أهم الظواهر الإسلامية في السودان فقد انتشرت انتشارا قل أن تجد له نظيرا في أي بلد إسلامي آخر ، حتي ربما يكاد ينتمي كل فرد سوداني مسلم إلي طريقة مافي فترة ازدهار التصوف في السودان
تأثر التصوف السوداني بالمؤثرات الحجازية خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، إلا أن الأثر المصري بدأ واضحا منذ القرن السادس عشر مع بداية دخول التصوف إلي السودان ، وفي هذه الفترة كان التصوف الإسلامي بسيطاً ومحدودا من حيث العمق العقلي والفكري ، فالرياضات الروحية والالتزام السلوكي والعمل بالرواتب والنوافل والطاعات كان منهج صوفية ذلك القرن ، لكن سيطرت عليهم كذلك الخزعبلات والترهات وتسرب إلي التصوف السوداني مدخلات وثنية أثرت علي الطقوس ومسالك العبادة التي يؤديها المتصوفة ، واعتبر حسن مكي محمد أحمد أن الطريقة القادرية وهي إحدي أكبر الطرق في السودان ، أن أوزار تشوهات الفكر الصوفي في السودان يتحملها القادرية ، فقد امتلأت أدبياتهم بالأباطيل والترهات ، وارجع هذا الأمر إلي أن القادرية لاتملك مصدرا أصوليا لآدابها وقواعدها ، إذ أن مؤسسها الأول لم يترك شيئا من ذلك ، وكل تراث القادرية إما هو من اجتهاد قادة فروعها أو مأخوذ من الطرق الاخري
ومن هذه الخزعبلات ما أورده ابن ضيف الله عن الشيخ عبدالرحيم بن عبدالله العركي أنه ولد وأبوه الشيخ عبدالله غائب لم يواقع أمه ، ولكنه أتاها عن طريق الخطوة
ومن ذلك ما رواه عن الشيخ حسن ودحسونة وهو يصف بدايته في التصوف وما حدث له من تجليات ..(.. أنا في الخلوة راقد رأيت نجمة كبيرة في السماء تعلقت بها روحي وخرجت من جسمي فطارت ، فخرقت السموات السبع ، فسمعـت صرير الأقلام ، فلو كان يا( كوفي) بعد محمد نبي لقلت تنبأت ، ثم رجعت فوضعت في جزيرة من جزاير المالح فجاءني رجل لابس كسايين من صوف فلقنني اسمين ومشي معي خطوتين وجابني في قوز الصغيروناب فوجدت الشيخ الزين في الدرس ومعه ثمانية طلاب فلما قابلتهم رطنت رطانة عجمية .وهكذا فإن أدبيات التصوف في السودان ارتبطت بفكر الكرامة وروح الاعجاز ، وتجاوز المعقول وكان خطاب الصوفية يقوم في جانب عظيم منه علي هذه المفاهيم.
القيادة في الطرق الصوفية :
يقوم مفهوم القيادة لدي الصوفية بشكل عام علي ( الشيخ ) وهو بالأساس المصدر الذي يتلقون عنه ارشادهم والتوجيهات الخاصة بهم في أمور الدنيا والدين ، والطرق الصوفية السودانية تملك في بناءها الهرمي نوعا من توزيع السلطات المحدود ، لسيطرة ونفوذ(الشيخ) أو ( المشيخة ) يتمثل في اضفائه علي بعض تلاميذه المخلصين واتباعه القدامي القاباً تجعل لهم دورا ونفوذا ، وهو علي الرغم من محدوديته إلا انه يصور شكلا من تقسيم الأعباء وتولي جانبا ولو بسيطا من القيادة العامة ، تكون لدي من يسمون بـ(الخلفاء ) و( المقدمين ) و(الملازمين ) وكذلك( المشائخ ) وتتدرج طبقات هؤلاء وتتنوع وفقا لما سنسعي إلي تفصيله لاحقا ، لكن القيادة الروحية والسلطوية والإدارية تجتمع عند الشيخ وتلتقي لديه .
وقد اطلق لقب ( شيخ ) علي بعض كبار العلماء والكتاب والوزراء – في السابق – وفي التاريخ الإسلامي ، ولكنه ارتبط ومنذ أمد بالصوفية وصار مصطلحا خاصا بهم. والشيخ عند الصوفية ، صاحب مكانة سامية رفيعة ، فهو الذي يربي الأرواح ويخلصها من أدران الحياة وأدواء القلوب ، وهو الذي يصل بالمريد الي مرضاة الله تعالي ، ويكون التلميذ بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله ، فالمحبةفي الله خالصة ، والثقة في الشيخ تامة لاتشوبهاشائبة
وعندما يتعلق المريد بشيخه – كما في اعتقاد الصوفية- ويتصل به اتصالا معنويا وثيقا ، فإنه يكون دائما معه وقريبا منه في ذهنه وسمعه وطرفه وجميع حواسه الظاهرة والباطنة ، وأن لم يصح عهد المريد مع شيخه فلا يشهد منه سوي البعد ، نلاحظ هذا في كلام الشيخ محمد بن عبدالكريم السمان صاحب الطريقة السمانية ، فهو يقول ( فإن أخذتم يا أولادي عهدي وعملتم بوصيتي سمعتم كلامي ، ولو كان أحدكم بالمشرق وانا بالمغرب ، رأيتم شخصي ومهما أشكل عليكم أمر من واردات سركم واردتم تستخيرون( هكذا) ربكم في شيء أو قصدكم أحد بأذية فوجهوا وجهكم وضعوا سركم واطبقوا عين حسكم . وافتحوا عيون قلوبكم فإني تروني جهارا ، فاستشيروني حينذ في جميع أموركم وأطلبوا مني حوائجكم وماقلته لكم فاقبلوه وامتثلوه وهذا ليس خاصا بي بل كل شيخ صدق في محبته مريدوه فهو كذلكوعندهم أن الشيخ هو الركن الأعظم في الطريقة وعمدتها ولديهم أن سبيل الدين غامض وسبل الشيطان كثيرة ، مالم يأت (الشيخ ) ليوضحها وليبينها ، وليقود اتباعه بالهداية والرشد الي سبل الخير والفلاح ، قال أحد مشائخهم هو الشيخ( البكري):
طرق الهداية لا تسلكن فيها بلا دليل قد دري خافيها
فربما هويت في المهالك إن لم تسر بسير سر سالك
وإن تسر بغير ما دليل وقعت في التشبيه والتعطيل
ولذلك فإن محي الدين بن عربي كان يقول :
( من لاشيخ له فإن شيخه الشيطان )
وإرادة التابع تنمحي في إرادة المتبوع (الشيخ) فيكون طائعاً مستجيباً سّماعا للتوجيه والنصح والارشاد ، متعاونا مع اخوانه الصوفية منسجما مع تنظيمهم الروحي ، فالشيخ هنا يشكل رابطا يجمع هؤلاء علي اختلاف سحنهم وألوانهم وقبائلهم ومستوياتهم الاجتماعية ويقود هذه السفينة في الغالب الأعم بروح العدل ، إلا أن الاتباع الأعمي يمثل الظاهرة التي تشكل سلوك أبناء الطريقة وترسم مسارهم ، وتحدد وجهتهم ، وهذا يخدم أهداف الطريقة فهو يحقق قدرا من التناغم والتعايش دون صراعات في الحد الأدني إلا أن عيبه الكبير ، أنه يخفي رغبة مكبوتة ، وإرادة ذاتية ضائعة ومشيئة انسانية فطرية تنزع الي الاستقلال فالمشيخة و(الشيخ) يلغي إرادات اتباعه ويمحو استقلالهم بذواتهم ويخلق لديهم إرادة مكبوتة ، وقد قاد في وقت لاحق هذا الأمر الي وجود تشوهات في الشخصية الصوفية وأدي بها الي السلبية والانكفاء بل إلي ماهو أكثر من ذلك من انفجار الرغبات المكبوتة لدي الأتباع وتبديها في شكل صراعات ولكن وكما أشرنا يبقي مؤشر هام وايجابي في مفهوم ( الشيخ ) وطبيعة ( المشيخة) ، وهو الدور الايجابي الذي يقوده الشيخ في إحداث قدر من التوافق والرضي الاجتماعي لدي اتباعه فيما بينهم ،يؤدي إلي قبولهم لبعضهم بعضا، وإلي اتفاقهم علي الأقل في المستوي الظاهري وفي الإطار الخارجي . ونجد في أدبيات الصوفية ، مايدعو الشيخ إلي إلتزام جملة آداب وسلوكيات تجعله أهلا لمسئولة المشيخة وواجباتها ، ولذلك فقد تصوروا أن للشيخ آداب يعمل علي أساسها ، ويتصف بها ، حتي يكون مقبولا لدي أحبابه وتلاميذه قريبا منهم فذكروا من جملة هذه الآداب :
ألا يتكلم الشيخ مع المريد إلا وقلبه ناظر الي الله مستعينا به في الهداية للصواب من القول فقد قال السهروردي : لاتكلم أحد من (الفقراء ) إلا في اصفي أوقاتك لأن الكلمة تقع في سمع المريد كالحبة تقع في الأرض ، ومن أدب الشيخ أن يكون له خلوة خاصة ووقت خاص حتي يفيض علي جلوته فائدة خلوته.
ومن أدبه أيضا حسن خلقه واستعماله للتواضع للمشائخ والتعطف علي الأصحاب وقضاء حقوقهم في الصحة والمرض ، ومن الآداب حفظ أسرار المريدين فيما يقولونه.
ويجب علي (الشيخ) ، أن يكلم تلاميذه كلام الناصح الشفوق مثل الوالد لولده ، وأن يكون الشيخ في تدبير الأطباء وسياسة الملوك مع تلاميذه وأن يحاسب المريد ويتتبع حركاته حتي يعلم مدي صدقه ، وأن يكون للشيخ ثلاثة مجالس ، مجلس للعامة ، ومجلس لاصحابه ، ومجلس خاص لكل مريد علي انفراد.
وقد استطردنا في وصفه جانب من وظيفة الشيخ وأدواره والاخلاق التي ينبغي أن يتحلي بها في أدبيات التصوف للإشارة إلي حقيقة المؤسسة الصوفية ، وطبيعة المناهج التربوية التي تبناها وانعكاسات ذلك علي مجتمع التصوف فيما يتصل بالعلاقة التبادلية بين قيادة مجتمع التصوف وبين قواعده ، وسنلاحظ فيما يلي ، كيف تؤثر القيادة الصوفية علي المجتمع وماهو الدور الذي تقوم به ، ومامدي الاستجابة التي تتوفر لدي هؤلاء القادة من أتباعهم ومن المجتمعات المحيطة بهم من غير الأعوان والتلاميذ .
القيادة الصوفية والأثر الاجتماعي :
- دينامية ( المشيخة ) وبناءها التقليدي :
كما أشرنا فإن القيادة في الطرق الصوفية السودانية تقوم أولا علي (الشيخ) الذي هو مركز السلطات الروحية والإدارية ، ثم يأتي مني بعده الخلفاء كما في الطريقة الختمية ، وهي طريقة مصدرها حجازي دخلت الي البلاد في سنة 1816م بواسطة مؤسسها السيد محمد عثمان الميرغني(الختم) ت 1852 ، والخلفاء جسم تنظيمي للطريقة الختمية ، يقوم فيه الخليفة بدور المتابعة والمراقبة للنشاط الروحي والتربوي والاجتماعي لاتباع الطريقة ، فالخليفة يعقد الحضرات ، وهي اجتماعات الاتباع التي يمارسون عبرها طقسهم الروحي ، من ذكر وتلاوة للأوراد أو الانشاد العرفاني ، وهـي اشبه بالخلية أو الأسرة لدي التنظيمات الدينماية المعاصرة ، كما أن الخليفة يقوم بجمع الاشتراكات المالية للاتباع ، ويقوم بتنظيم الاداء الاجتماعي ، من زيارات ومشاركة في المناسبات الاجتماعية لهؤلاء الأفراد ، وينظر في احتياجاتهم الوقتية وأوضاعهم ، والخليفة ممثل ( الشيخ ) ، وأراد شيخ الختمية أن يؤسس لتصور مثالي لمفهوم ( الخليفة ) ، فهو يقول ( خليفتي كذاتي ) ، أي أن خليفته يضاهيه ويماثله في الأهمية والقيمة والدرجة ، وينوب عنه في كل شيء ، لكن علي المستوي العملي يبدو تحقيق ذلك أمراً عسيراً وصعب المنال ، فالخليفة ، في الواقع أداة من أدوات الشيخ التي يبسط بها نفوذه علي مجتمعه الصوفي الذي هو طريقته ، ومع ذلك فإن الخليفة يمثل صورة من صور القيادة التقليدية داخل المجتمع الصوفي ، وعلـي الرغم مــن أنه يختار بواسطة ( مؤسسة المشيخة ) إلا انه كذلك نموذج لتقسيم النفوذ وتوزيع الأعباء – كما وضحنا- فالخليفة نفسه تتوزع سلطاته بين (النقباء ) و( المقدمين) و( الملازمين ) ، وهؤلاء يستمد بعضهم نفوذه من (الشيخ) مباشرة بينما يأخذ الآخرون سلطاتهم عبر الخليفة . فالمقدمون والملازمون يتبعون لـ( مؤسسة المشيخة ) ، لأنهم يلازمون الشيخ ويكونون معه ويشاورهم الشيخ في بعض الأمور , وهم يصرفون شئون المشيخة في المسجد والأديرة التابعة له ، ويطلق علي الأبنية التي تمثل مؤسسة المشيخة ، وعبرها تقوم المشيخة بممارسة مهامها ، كلمة ( المسيد ) ، وتضم هذه الأبنية المسجد ، وخلوة الشيخ ، وخلوة القرآن والحضرة وهي مكان جلوس الشيخ وربما استقبل فيه ضيوفه وزواره ، ومساكن الطلاب وملحقاتها ومنزل الشيخ وغير ذلك .
ويصنع بعض المقدمين لنفسه مكانة ومنزلة لدي الأحباب والأتباع ، فيقوم بممارسة بعض الأدوار في العلاج الروحي والارشاد الديني والاجتماعي ، وربما زادت مكانة مقدم من المقدمين ، وتوسع نفوذه فيقوده ذلك فيما بعد إلي تكوين مشيخة شبه مستقلة به ، فيكون له اتباع وتلاميذ وأحباب ، وهذا واضح جدا في كل الطرق السودانية خلا الطريقة الختمية التي هي طريقة مركزية تستمد وجودها من قياداتها الروحية ولابد للشيخ العام أن يكون من آل الميرغني الذي هم ذرية محمد عثمان الميرغني ( الختم) مؤسس الطريقة ، ولايحق لأي من الأتباع مهما وصلت درجته إلي أن يكون إماما لهذه الطريقة ، وآل الميرغني هم من آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم ، وهذا يضفي عليهم قدسية وخصوصية في القيادة ، وربما كان في هذا أثر تشيع محدود : فالشيعة الجعفرية يعتقدون أن النبي محمد صلي الله عليه وسلم عين بأمر الله تعالي أحد عشر إماماً بعد علي عليه السلام ، وهم مع علي الأئمة الاثنا عشر ، وقبيلتهم قريش ، وقد وردت الإشارة الي عددهم وليس إلي اسمائهم في بعض كتب الحديث الصحيحة حيث روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :
( إن الدين لايزال ماضياً ، قائما عزيزاً منيعا ما كان فيهم اثنا عشر أميرا أوخليفة كلهم من قريش ) ويعتقد الشيعة أن هؤلاء هم أهل البيت الذين نصبهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وبأمر الله تعالي قادة للأمة الإسلامية ، ويعتقدون بأنه يجب اتباع أهل البيت ،وإلتزام طريقتهم ، لأنهم هي الطريقة التي رسمها رسول الله صلي عليه وسلم للأمة ، وأوصي بسلوكها ، والإلتزام بها
وعلي كل حال نحن لانسعي هنا إلي مناقشة هذه الفكرة ، وإنما نحاول أن نثبت أن نظرية القيادة لدي الطريقة الختمية وصلت إلي ماوصلت إليه الآن نتيجة لأمرين اساسيين هما:
- الظرف التاريخي للطريقة الختمية ونشؤها وتطورات الاحداث التي لحقت بها أدت إلي وجود قيادة عملية وسياسية من لدن بيت الميرغني .
- علي الرغم من أن الختمية جماعة سنية إلا أن تسربات الفكر الشيعي مما لايمكن انكاره لدي الختمية ، خاصة ,ان اسلاف بيت الميرغني وقبل زمن بعيد من دخولها البلاد اتصلوا ببلاد فارس وربما تزوجوا هناك وتداخلوا مع الفرس.
وعلي الرغم من أن الختمية الآن – لظروف واقعية – يزعمون أنهم لايتصلون بالتشيع من أي ناحية إلا أن أدبياتهم تصدق ماذهبنا إليه من الربط الوثيق في نظرية القيادة بين الشيعة وبين الختمية وربما أن ثمة اختلافات طفيفة في أصل النظرية ، نظرا لازدهار الختمية في مجتمع سني وبين اتباع سنيين إلا أن مفهوم القيادة لدي الأمة ، نجده عند اتباع الطريقة الختمية ، نموذجاً لمفهوم الائمة عند الشيعة في أبسط صورة ممكنة ، دون تعمق ، لكن الأصل واحد هو الأعتقاد بقوة في أحقية آل البيت بالقيادة للأمة ، دون تشدد في اعتبار أن الأمر أصلاً من أصول الدين كما لدي الشيعة ، وليس هذا المعني غريبا علي العالم السني ، فنحن نجد طرفا منه في الممالك التي اقامها آل البيت في المجتمعات الإسلامية في الحجاز والأردن والمغرب واليمن وما إلي ذلك ، وحتي دولة محمد أحمد بن عبدالله مهدي السودان قامت في أساسها علي نظرية الأصل الشريف ، ولعل هذا من تطورات النظرية والتحولات التي حدثت حولها.
وإذا ما عدنا الي مسألة المشيخة في بقية الطرق السودانية ، فنحن نلاحظ أن السمانية – وعلي الرغم من أنهم طريقة غير مركزية – لا تجد باسا في أن يخلف الابن أباه في القيادة ، وأن يكون نقيبا عنه بعد وفاته بحيث يقوم بذات الأدوار التي كان ينهض بها والده ، بل ويشجعون هذا المسلك في تخليف الابناء .
ولكنهم يمتلكون اختلافا جوهريا في مسألة المشيخة مع الختمية ، فهم لايجعلون المشيخة حقا خاصا بآل بيت أحمد الطيب بن البشير مؤسس الطريقة السمانية في السودان أو ملكا لايتجاوهم ولذلك وجدنا أن الطريقة انتشرت بواسطة الاتباع وهم الذين منحوا هذا الانتشار الدينماية والفاعلية ، وقد أسست العديد من فروع السمانية في مختلف انحاء القطر بواسطة الأتباع والتلاميذ ، ومثال علي ذلك ، المركز الذي أسسه محمد التوم بن بان النقا ( ت 1852 م) الذي نشر السمانية بين قومه من اليعقوباب في وسط السودان ، وكان عهد الشيخ محمد توم ، نقطة تحول حقيقي أو مايمكن أن نسميه بالانتقال النوعي في مسار الاعتقاد والانتماء المذهبي لدي اليعقوباب بسلوك الشيخ محمد توم لهذا الطريق الجديد وانتظامه فيه واتباعه للمنهج السماني بعد أن كان اليعقاوب قادرية حولهم محمد توم عنها الي السمانية .
ويمكن اعتبار هذا العهد في تاريخ اليعقوباب بمثابة الفترة الأخيرة التي لايعقبها تحول في تدرجهم الصوفي ويمكن تسميتها بمرحلة الطريقة السمانية اليعقوبابية.
وقد امتد أثر محمد توم ليشمل تلاميذ آخرين أقام كل واحد منهم مؤسسة خاصة به للتصوف ، واستقل عن مركز محمد توم ، من هؤلاء الشيخ زين العابدين بن عبدالله العجوز ، والشيخ طله بن حسين الفلاتي واصله من فوتا توورو ( السنغال ) والشيخ محمد النور ( راجل ريبة ) بالقرب من سنار ، الذي ونتيجة لتأثيراته تكونت مدرسة أخري للتصوف في منطقة النيل الأبيض ، بواسطة الشيخ عبدالرحمن الإمام المعروف بـ( قادر ولي ) وهو الجد الثالث للشيخ الياقوت صاحب المسيد المعروف بمنطقة جبل أولياء ( علي بعد 50 كيلومترا من الخرطوم ) في قريته المسماة بالروضة وقد تناقلت هذه الأسرة السند السماني الي شيخها الحالي ، ومن تلاميذ محمد توم كذلك الشيخ محمد برير بن الحسين الجعلي ( ت 1885 م) بمنطقة شبشة بالنيل الابيض ، التي اقام بها مدرسة لتعليم القرآن وتدريس الفقه والعلوم الإسلامية والتفت حوله أعداد ضخمة من المريدين ، وقـد ترك بدوره أثراً علي تلاميذه الذين شكل بعضهم إمتداد لمدرسته العلمية ، وكان منهم الشيخ عوض الله بن أحمد ( النمير) بن عبدالله عريض( ت 1935) أحد أبرز تلاميذ الشيخ برير وقد خلفه ابنه أحمد ( ت 1969م) الذي أسس (مسيدا ) بمنطقة ( الصفيراية ) ومن تلاميذ الشيخ محمد برير كذلك الشيخ عمر بن محمد عبدالله الصافي في منطقة الكريدة وقد توفي في سنة 1932م ، وقد امتد أثر وجهد الشيخ عمر الي منطقة الزريبة بشمال كردفان ليكون هناك تلاميذ أهمهم الشيخ محمد وقيع الله(ت 1944م ) وهو والد الشيخ عبدالرحيم ( البرعي) والشيخ عبدالرحيم البرعي مدرسة متكاملة في الفكر الصوفي والعمل الديني الاخلاقي ، وقد خلف أثرا في جميع انحاء السودان ، ولعله يمثل اوضح مدرسة للتصوف في السودان المعاصر ومن تلاميذ الشيخ أحمد الطيب بن البشير كذلك الشيخ أحمد البصير الحلاوي ( ت 1831) والشيخ القرشي بن الزين ( ت 1878م) والمركزان ساهما في احتضان الثورة المهدية ودعمها ، والشيخ عبدالله الصابونابي ، ت 1852 ، وغيرهم فكل هؤلاء التلاميذ أسسوا مراكز خاصة بهم واقاموا مدارس للعلم وللتوعية والاصلاح الاجتماعي ، اسهمت في الدعم بحركة التغيير في البلاد . وساعدت علي نمو وازدهار العمل الإسلامي ، وأسست لبناء العقلية الدينية السودانية ، وقدمت جهداً اضافيا في التمسك بالقيم والأخلاق والتعاليم السامية ، وأصبحت مراكزا مستقلة في وجودها لايربطها بمؤسس الطريقة وذراريه الا الود والاحترام والتقدير ، لكنها مراكز منفصلة بشكل تام وعلي هذا الأساس نمت الطريقة السمانية فلم تبق القيادة مركزة في دائرة واحدة أو مجتمعة لدي يد واحدة ، بل تعددت المناحي ، وكثرت المشارب وتنوع المشائخ والمدارس والتوجهات ، والنتاج المعرفي . ولذلك فإن فكرة المشيخة عندهم بقيت أمرا مختلف عليه تتباين فيه الأراء وتختلف حوله الافكار ، ولذلك فنحن نري أن بعضهم أكسب تطوراً واستحداثا لمفهوم (الشيخ) فبعض السمانية يري أن مرتبة الشيخ تكون علي صورتين :
ألاولي : من يمكن تسميته بشيخ المقام أو شيخ الأرشاد ، والثانية من يسمي بشيخ الخدمة أو شيخ السجادة وشيخ الارشاد هو من تواقع له السمانية علي الاعتراف له بالمكانة العلمية العالية في علوم الدين والتصوف بحيث يكون عارفاً باحوال التصوف ومقاماته ومراتبه ودرجاته وصفاته ، ويكون محلاً لامانة الارشاد ، فيقوم بدور التوجيه والتربية والاصلاح الديني والاجتماعي ، كما أنه يقوم بتربيته وترقيته في سلوكه نحو الله وتدرجه في سلم الكمالات من مقام الي آخر ..
أما شيخ الخدمة ، فهو شيخ ورث سجادة الطريقة عن أبيه أو عن أحد اقربائه ، نتيجة لقوته أو مكانته عند أهله ، أو لإدارته الحسنة في ترتيب شئون وأحوال مؤسسته التي اصطلحنا علي تسميتها بالمسيد ، أولوصية تم تخليفه بها أو غيرها من الأسباب التي لاتمت للعلم أو المعرفة بالعلم والإدراك لقيم الدين بصلة ، وقد يكون عامياً لايعرف القراءة ولا الكتابة ، وهذا مهمته ، أن ينهض بعبء وتصريف أمور من خلف ، فيقوم علي رعاية زوجات الشيخ السابق وابنائه الصغار وخدمة المريدين بالمسيد والضيوف وغيرها من الأعباء ويكفيه في جلوسه في محل من ورث أن يكون اتباعه وحواريوه علي قناعة تامة بصلاحه ، وشيخ السجادة كما يري بعض السمانية وضعه أكمل وأعلي وهو يفوق شيخ الإرشاد من حيث المنزلة الذي يكون بدوره تابعا وتحت أمرة شيخ السجادة
وكما أشرنا - فإن هذه رؤية متطورة عن نظرية (الشيخ) وإن كانت تحمل بعض جوانب القصور فهي لم تعط الأمر دورا تكامليا ، وانما استنبطت وظيفة مستمدة من روح المشيخة وصيرتها جزءا منها ولم تكفل له حق الاستقلال .
وعلي وجه العموم فإن السمانية أكثر تشاورا وديمقراطية في تخليف الشيخ ، عن الختمية وأن أدي نموذجهم في التشاور إلي الانفلات والنزاع حول المشيخة، فالسمانية منذ وفاة شيخها الأول لم تستقر علي شيخ واحد إمام يقود مسيرتها وحدث نزاع حول من يكون الخليفة للشيخ المؤسسين ويبدو أن الاختيار لهذا المنصب كان يتم بواسطة كبار الأتباع وبتشاورهم ، وتدخل العامل القبلي والعشائري في النزاع وأضحي كل طرف من أطراف النزاع يدعو الي قرابته من جهة الأم لأحد ابناء الشيخ المؤسس للطريقة .
الممارسة للقيادة الاجتماعية والسياسة لدي مشائخ الطرق الصوفية :
الدور السياسي :
علي الرغم من الأدعاء القديم لدي الصوفية انهم ليسوا أهل سياسية ولايتدخلون في مسألة الحكم بخير أو بشر ، ولكن الظاهرة الأهم التي تلاحقنا عند دراسة هذا الأمر هو أن الصوفية في السودان كانوا ومنذ الأزل علي صلة بالحكام ، والمشاهد الأبرز في هذه الصلة ، هي حرص المتصوفة علي أن يكون لهم تأثير علي السلطة ، وعلي أن تكون مكانتهم لديها موفورة القدر ، عظيمة الشأن ، وعلي أن يحصلوا علي منح السلطان أي كان نوعها ومهما كانت طبيعتها ، وقد تمثلت هذه المنح والهبات والهدايا في صورة ، اقطاعات وأراضي ، وأموال ومعونات مادية وأدبية وبقي الصوفية يلتزمون بمساندة الحكام ومساعداتهم ، فكانوا وسطاء في بعض الأحيان بينهم وبين المحكومين أو شفعاء لدي الحكم من قبل المحكومين ، ولم يفرق الصوفية في اعطائهم للولاء بين حكم محلي صاحبه سلطان سوداني أو حكم أجنبي قائده غير سوداني ، فلقد قدموا انتماءهم لكل صولجان حكم ، وكل منصة رئاسة ، وأدعي بعض الصوفية لدي العامة أن الحكام يهابونهم ويرهبون شرهم ويخشون نقمتهم ، فحبب إليهم ذلك العوام ، وقرب اليهم أفئدة الشعب الذين جعلوا من شيوخ التصوف أساطير وحكايات تدل علي قوتهم وعزتهم وشدة بأسهم . وكما ذكرنا فإن تطلع رجال الطرق الصوفية وعلماء الدين بشكل عام للاتصال بأهل الحكم وبالسلطان ظل أمرا غالبا في التجربة السودانية ، وتطالعنا العديد من النماذج في هذه الناحية : فالشيخ إدريس بن الشيخ عبدالرحمن بن جابر البولاد ، توقفت مدرسة العلم التي جلس للتدريس فيها بعد عمه الشيخ إسماعيل والسبب وراء ذلك هو زواجه بملكة( كجبي ) في منطقة الشايقية ، وكان يذهب إليها في عطلته من الأسبوع ، فأبت عليه إلاّ أن يرتحل إليها هو وطلابه ، فأمتنع الطلاب عن ذلك خوفا من الفتنة ، فقد كانت تملك الجواري الحسان ، فقال الفقراء ( عندها الخدم يدخلن ويمرقن يفسدن علينا أدياننا ) وبسبب ذلك تفرق عنه تلاميذه ومن ذلك أيضا : أن أم الملك عمارة أبو سكيكين ، مرضت مرضاً شديدا ، فرقاها الشيخ بان النقا الضرير ، فلم تشف فقال له الملك : ( أنت في السابق كنت جندينا ثم بقيت جندي الله ) أي أنت كنت تنفذ كلامنا وتعمل عندنا ، ولكن نذرت نفسك لله ، وأقسم عليه إلا أن يعود لخدمته ففعل وقد ساق ابن ضيف هذه الواقعة في سياق حديثه عن كرامات الشيخ بان النقا ، ولا أدري أية كرامة هذه !! التي يشترط فيها الملك أن يخدم الشيخ الملك عوضا عن خدمته لله ، فيستجيب له الشيخ ، وقد وصل الأمر ببعض ملوك الفونج أن بعضهم ومنهم الملك بادي بن رباط أراد أن يجعل نصف خراج الأرض التي يحكمها للشيخ إدريس بن محمد الأرباب ، ولكن الشيخ امتنع عن ذلك وقال: ( هذه الأرض دار النوبة وأنتم غصبتوها منهم فأنا لا أقبلها اعطوني الحجز في كل شيء ) ، أي اعطوني الشفاعة في كل شيء ، فالحجز هو الوساطة وفض المنازعات والصلح بين المتشاجرين وقد أجابه الملك الي ماطلب
ويقول ابن ضيف الله ان الشيخ إدريس دخل الي عاصمة الملك سنار أحدي وسبعين مرة للتوسط في قضايا المواطنين ، وكان الشيخ عجيب أحد ملوك سنار يشاوره إذا أراد الحرب ، فيتنبأ له الشيخ إدريس بما يراه
وكان عهد الفونج وسلطنتهم هو قمة المجد والعلو لطائفة الفقراء ، أو جمهور المتصوفة ، فقد كانت الشفاعة والتوسط في الأمور ذات البال أحدي الاشياء التي تميزوا بها ، ومن الصحيح أن نقول إن زمن الفونج هوعهد ( دولة الفقراء ) الذين هم رجال التصوف .
وقد أرتحل الشيخ أحمد الطيب بن البشير الي منطقة وسط السودان حيث السلطة والنفوذ والجاه العريض والأراضي التي تمنح لرجال الدين والتصوف وبقي هناك لفترة ليست قصيرة ، تعرض خلالها لمضايقات من منافسيه من رجال الطرق الصوفية من جماعة ( العركيين ) وهم قادرية ويعتبر اسلافهم من أوائل الذين أخذوا الطريقة القادرية وقاموا بنشرها في البلاد ، كما دعا الي عدم مقاومة الفتح التركي – المصري في 1821 ، عند قدوم جيوشه الي منطقة الشيخ الطيب ، كما انه بشر بمجيء حملات الفتح تلك واخبر الناس عن حكمهم الآتي مما عده أتباعه كرامة له .
وقد تعامل عدد من زعماء السمانية مع حكومة الفتح التركي المصري أو مايعرف بالتركية السابقة ، وكان أغلبهم يتلقي المعونات والمؤن من الخديوية ومن بين هؤلاء الشيخ أبوصالح بن أحمد الطيب والشيخ إبراهيم الدسوقي بن أحمد الطيب
وبالنظر الي مكانة الصوفية في المجتمع السوداني فلقد سعت الحكومات المختلفة الي اقامة صلة مع بعض خدم رجال التصوف لاهدافها تجاه المجتمع ، علي سبيل المثال ظل مركز السمانية في طابت يشارك في نظام الإدارة الأهلية وهو نوع من الحكم الشعبي ، في منطقتهم الي نهاية هذا النظام مع قيام حكومة مايو 1969م
الدور الاجتماعي :
يساهم الصوفية بدور مقدر في قيادة المجتمع والمشاركة في أنشطته التكافلية والتعليمية والتوعوية ، وفي نشر ثقافة السلام والحوار الاجتماعي ونبذ العنف والتوفيق بين المتخاصمين وفي درء مفاسد الفوضي والتحلل الأخلاقي وفي ربط الأتباع المرتبطين بهم وفق نسيج اجتماعي فريد ، وفي سنن الزواج والتعارف وايجاد الأسرة المسلمة ، وتذويب القبلية البغيضة ، والدعوات الشعوبية المنكرة ويمكن تلخيص مجهوداتهم الاجتماعية فيما يلي :
تأمين الطعام للمحتاجين والمساكين واحياء شعيرة التكافل
واشتهر الشيخ إدريس ابن الأرباب المحسي باسم( ابوفركة ) لأنه كان يعد الطعام بنفسه ويحكي عن الشيخ العبيد محمد بدر أنه كان في سياحة ومعه الشيخ المقابلي وهما من رجال التصوف البارزين فنفد طعامهما فعثر عليها أعرابي ، فأخذهما الي مسكنه المبني من القش، وأطعمهما ، ومنذ ذلك الوقت قرر الشيخ محمد العبيد تأسيس مسيده في منطقة النخيرة ثم انتقل منها الي أم ضبان ، وأصبح كرمه مضرباً للمثل ، وظل مسيده الذي يقدم الطعام لأعداد وفيرة من الناس ، ويصنع الأدام ، وكسرة الخبز في أحواض اسمنتية كبيرة ، ويضطر ( الفقراء ) أو المريدون الذين يعدون الطعام ، عند عجن الدقيق استخدم أعمدة طويلة اشبه بمجاديف المركب وصورتهم وهم هكذا أشبه برجال يحركون مركبا بمجاديف طويلة ، واشتهر الشيخ عبودي بـ ( جبل اللقمة ) ، فقدح ( اناء ) الطعام عنده يتطلب رجالاً عديدين لحمله وعرف الشيخ عبدالباقي أحد مشائخ العركيين في وسط السودان بـ( أزرق طيبة ) وكان يتحزم بثوب الزراق داخل ( التكية ) ( مكان الأكل ) ويشرف بنفسه علي اعداد الطعام ، وإلي ذلك فقد وهب العديد من الأراضي التي يملكها لبناء المدارس والجامعات
وعندما ضرب الجفاف والتصحر البلاد في الثمانينيات من القرن الماضي ، فتح الشيخ دفع الله الصائم وهو أحد مشائخ العركيين ، مسيده في أم درمان لالاف الزائرين وكان معظمهم من غير المسلمين يقدم لهم الطعام والغذاء
ولايمكن القول إن الاموال التي تنفق في هذه المؤسسات الخاصة بالصوفية ، هي أموال مشائخ الصوفية الخاصة ، لكن من الواضح أن هذه المؤسسات تلقي دعما من الأفراد والجمعيات ومن الدولة كذلك . وفيما يبدو أن تقليد ( التكايا ) ظهر فيما بعد الدولة الفاطمية ، وكان ضرب من التشجيع لمؤسسة التصوف علي حساب التشيع.
تنظيم وتاسيس المدن والقري :
وقد عمد معظم مشائخ الصوفية الي انشاء قري يجتمع الأتباع بها ، ويقومون في نفس الوقت بمسائل اقتصادية تعود عليهم وعلي مسائدهم بالنفع ، الشيخ عمر بن محمد عبدالله الصافي – وقد أشرنا إليه فيما سبق – استصلح أراضي المنطقة التي سكنها ، واسمها الذي اطلق عليها يحمل دلالات هذا العمل ، فاسمها ( الكريدة ) وكرد الارض في العامية السودانية اي استصلحها وقطع الاشواك بها كذلك قام الشيخ محمد وقيع الله والد الشيخ عبدالرحيم ( البرعي ) بتأسيس ( الزريبة )، وفي فترة حكم الفونج دعم السلاطين استقرار الشيخ طلحة القادم من السنغال في قرية حملت اسمه في منطقة النيل الأزرق فتجمع حوله المريدون من الفلاتة والعرب ، كما ساعد الشيخ محمد توم حفيد الشيخ طلحة سلطان مايرنو في تاسيس منطقة ( مايرنو) في سنة 1905م
لقد اعتمد تاسيس المدن والقري في أكثر أرض البلاد علي الأساس الديني ، وخاصة وجود مشائخ التصوف ، فمثلا مدينة الخرطوم مما ساعد علي نموها وجود الشيخ إدريس بن الأرباب المحسي ، كما أن وجود السيد علي الميرغني ( ت 1968) وهو أحد ابرز قادة الطريقة الختمية في القرن العشرين : في منطقة الخرطوم بحري واستقراره بالقرب من مدفن الشيخ خوجلي مع بداية الحكم الثنائي أعطي دفعة سكانية للمدينة.
وأسست مدينة ودمدني في سنة 1580م وأحدي مؤثرات قيامها وجود الشيخ محمد مدني السني ، فحملت المدينة اسمه وكذلك كسلا تأسست بمجهودات السيد محمد الحسن الميرغني ابن مؤسس الطريقة الختمية في السودان وكان والده قد بدأ في تأسيسها .
تذويب القبلية والنزعة العرقية :
والطرق الصوفية تحمل في داخلها مزيجا من الإثنيات المختلفة يتحرك هؤلاء دون محدد عرقي ويتفاعلون مع موجهات طريقتهم دون اشكالات جنس أو لون ، ويهتم الشيخ للحفاظ علي وحدة طريقته وصـيانتها علي احداث التناغم المطلوب في هذا الجانب .
العلاج الروحي والطب البديل :
وفي الإسلام اصولا للاستشفاء بالقرآن والسنة ، وقد استلهم الصوفية هذه الناحية ويعتمدون في مقدراتهم علي العلاج بالرقي وكتابة الأحجبة والنفث في الماء ، واستخدام ( المحاية ) التي هي محو القرآن بعد كتابته في لوح بالماء ويسقي للمريض ، الا أن العلاج الروحي داخله بعض العمل الفاسد وكثير من مشائخ التصوف لايفرقون بين هو حل وماهو حرام في الاستطباب ، كما يستخدم بعض الصوفية الاعشاب والابهرة والحبوب كالقرنفل والمحلب والزنجبيل واللبان وغيرها في أدويتهم .
نقلا عن موقع: http://www.mubarak-inst.org
??????- زائر
منتدى الطريقة البدرية القادرية بأمضبان :: منتدى الثقافة الاسلامية :: التصوف الاسلامي وعلم الأخلاق والرقائق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 1:00 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» أبكار أبونا الشيخ ابراهيم الكباشي
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:41 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ محمد ود البخاري ساكن المدينة المنورة
الأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:23 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» سيرة سيدنا ومولانا الأستاذ الشيخ إدريس أب فركة
السبت مايو 07, 2016 10:54 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ الحسين ولد صباحي المحسي ؛ راجل (شبونة الشيخ الحسين)
السبت مايو 07, 2016 10:50 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» ترجمة الشيخ الطيب الحاج الصديق ود بدر (ود السائح)
الإثنين أكتوبر 26, 2015 12:00 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» الجيلي يا الجيلي الآن بدرنا الساكن أم ضبان
الإثنين أكتوبر 26, 2015 11:54 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» لله أقـــــوام نعيمهم القرب
الإثنين أكتوبر 26, 2015 10:14 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» دلائل الخيرات في الصلوات على سيد السادات
الإثنين أكتوبر 26, 2015 9:24 am من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ